ومكانية يستدعي تبعية الموجود في جهات وجوده له ، وكذلك الطبيعة الموجودة في الفرد توجب تطبيق وجوده بالخصوصيات الموجودة في محيط حياته ، ولذلك كانت لكل نوع من الانواع التي تعيش في البر أو البحر أو في مختلف المناطق الارضية القطبية أو الاستوائية وغير ذلك ، من الاعضاء والادوات والقوى ما يناسب منطقة حياته وعيشته ، فمحيط الحياة هو الذي يوجب البقاء عند انطباق وجود الموجود بمقتضياته والزوال والفناء عند عدم انطباقه بمقتضياته ، فالقاعدتان ينبغي ان تنتزعا من هذا القانون أعنى : ان الاصل في قانوني تنازع البقاء والانتخاب الطبيعي هو تبعية المحيط ، ففيما لا اطراد للقاعدتين لا محيط مؤثر يوجب التأثير ، ولكن لقاعدة تبعية المحيط من النقض في اطرادها نظير ما للقاعدتين ، وقد فصلوها في مظانها .
ولو كان تبعية المحيط تامة في تأثيرها ومطردة في حكمها كان من الواجب ان لا يوجد نوع أو فرد غير تابع ، ولا ان يتغير محيط في نفسه كما ان القاعدتين لو كانتا تامتين مطردتين في حكمهما وجب ان لا يبقى شيء من الموجودات الضعيفة الوجود مع القوية منها ولا ان يجري حكم التوارث في الاصناف الردية من النبات والحيوان .
فالحق كما ربما اعترفت به الابحاث العلمية ان هذه القواعد على ما فيها من الصحة في الجملة غير مطردة .
والنظر الفلسفي الكلي في هذا الباب : ان
أمر حدوث الحوادث المادية سواء كان من حيث أصل وجودها أو التبدلات والتغيرات الحادثة في اطراف وجودها يدور مدار قانون العلية والمعلولية ، فكل موجود من الموجودات المادية بما لها من الصورة
الفعالة لنفع وجوده يوجه أثره إِلى غيره ليوجد فيه صورة تناسب صورة نفسه ، وهذه حقيقة لا محيص عن الاعتراف بها عند التأمل في حال الموجودات بعضها مع بعض ، ويستوجب ذلك ان ينقص كل من كل لنفع وجود نفسه فيضم ما نقصه إِلى وجود نفسه بنحو ، ولازم ذلك ان يكون كل موجود فعالا لإبقاء وجوده وحياته ، وعلى هذا صح ان يقال : إِن بين الموجودات تنازعاً في البقاء ، وكذلك لازم التأثير العلي ان يتصرف
الأقوى في الأضعف بإِفنائه لنفع نفسه أو بتغييره بنحو ينتفع به لنفسه ، وبذلك يمكن
ان يوجه القانونان أعني : الانتخاب الطبيعي وتبعية المحيط ، فإِن النوع لما كان
تحت