عن الفساد هو الدفع الذي يدعو إِلى الاجتماع والاتحاد المستقر على الكثرة والجماعة دون الدفع الذي يدعو إِلى إِبطال الاجتماع وإِيجاد الوحدة المفنية للكثرة ، فالقتال سبب لعمارة الارض وعدم فسادها من حيث أنه يحيى به حقوق اجتماعية حيوية مستهلكين مستذلين لا من حيث يتشتت به الجمع ويهلك به العين ويمحى به الاثر فافهم .
( بحث في التاريخ وما يعتنى به القرآن منه )
التاريخ النقلي ونعني به ضبط الحوادث الكلية والجزئية بالنقل والحديث مما لم يزل الانسان من أقدم عهود حياته وأزمان وجوده في الارض مهتماً به ، ففي كل عصر من الاعصار على ما نعلمه عدة من حفظته أو كتابه والمؤلفين فيه ، وآخرون يعتورون ما ضبطه أُولئك ويأخذون ما اتحفوهم به ، والإنسان ينتفع به في جهات شتى من حياته كالاجتماع والاعتبار والقص والحديث والتفكه وامور اخرى سياسية أو اقتصادية أو صناعية وغير ذلك .
وإِنه على شرافته وكثرة منافعه لم يزل ولا يزال يعمل فيه عاملان بالفساد يوجبان انحرافه عن صحة الطبع وصدق البيان الى الباطل والكذب :
أحدهما : انه لا يزال في كل عصر محكوماً للحكومة الحاضرة التي بيدها القوة والقدرة يميل الى اظهار ما ينفعها ويغمض عما يضرها ويفسد الامر عليها ، وليس ذلك إِلا ما لا نشك فيه ان الحكومات المقتدرة في كل عصر تهتم بإِفشاء ما تنتفع به من الحقائق وستر ما تستضر به أو تلبيسها بلباس تنتفع به أو تصوير الباطل والكذب بصورة الحق والصدق ، فإِن الفرد من الانسان والمجتمع منه مفطوران على جلب النفع ودفع الضرر بأي نحو أمكن ، وهذا أمر لا يشك فيه من له أدنى شعور يشعر به الاوضاع العامة الحاضرة في زمان حياته ويتأمل به في تاريخ الامم الماضية والبعيدة .
وثانيهما
: ان المتحملين للأخبار والناقلين لها
والمؤلفين فيها جميعهم لا يخلون من اعمال الإحساسات الباطنية والعصبيات القومية فيما يتحملون منها أو يقضون فيها ،
فإِن حملة الاخبار في الماضين ، والحكومة في أعصارهم حكومة الدين ، كانوا منتحلين بنحلة ومتدينين كل بدين ، وكانت الإحساسات المذهبية فيهم قوية والعصبيات القومية