على ان القرآن ليس بكتاب تاريخ ولا أنه يريد في قصصه بيان التاريخ على حد ما يرومه كتاب التاريخ ، وإِنما هو كلام مفرغ في قالب الوحي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ولذلك لا تراه يقص قصة بتمام أطرافها وجهات وقوعها ، وإِنما يأخذ من القصة نكات متفرقة يوجب الامعان والتأمل فيها حصول الغاية من عبرة أو حكمة أو موعظة أو غيرها . كما هو مشهود في هذه القصة قصة طالوت وجالوت حيث يقول تعالى : ألم تر إِلى الملأ من بني إِسرائيل ، ثم يقول : وقال لهم نبيهم إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً « الخ » ، ثم يقول : وقال لهم نبيهم : إِن آية ملكه ، ثم يقول : فلما فصل طالوت « الخ » ، ثم يقول فلما برزوا لجالوت ، ومن المعلوم ان اتصال هذه الجمل بعضها إِلى بعض في تمام الكلام يحتاج إِلى قصة طويلة ، وقد نبهناك بمثله فيما مر من قصة البقرة وهو مطرد في جميع القصص المقتصة في القرآن ، لا يختص بالذكر منها إِلا مواضع الحاجة فيها : من عبرة وموعظة وحكمة أو سنة إِلهية في الايام الخالية والامم الدارجة ، قال تعالى : « لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ » يوسف ـ ١١١ ، وقال تعالى : « يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ » النساء ـ ٢٦ ، وقال تعالى : « قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ » آل عمران ـ ١٣٨ ، إِلى غير ذلك من الآيات .
* * *
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ـ ٢٥٣ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ـ ٢٥٤ .