وقد اختلف المفسرون في المراد من الجملتين من هو ؟ فقيل المراد بمن كلم الله : موسى عليهالسلام لقوله تعالى : « وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا » النساء ـ ١٦٤ ، وغيره من الآيات ، وقيل المراد به رسول الله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لما كلمه الله تعالى ليلة المعراج حيث قرّبه اليه تقريباً سقطت به الوسائط جملة فكلمة بالوحي من غير واسطة ، قال تعالى : « ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ » النجم ـ ١٠ ، وقيل المراد به الوحي مطلقاً لان الوحي تكليم خفي ، وقد سماه الله تعالى تكليماً حيث قال : « وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ الآية » الشورى ـ ٥١ ، وهذا الوجه لا يلائم من التبعيضية التي في قوله تعالى : منهم من كلم الله .
والاوفق بالمقام كون المراد به موسى عليهالسلام لان تكليمه هو المعهود من كلامه تعالى النازل قبل هذه السورة المدنية ، قال تعالى : « وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ إِلى أن قال : قال يا موسى : إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي » الاعراف ـ ١٤٤ ، وهي آية مكية فقد كان كون موسى مكلماً معهوداً عند نزول هذه الآية .
وكذا في قوله : ورفع بعضهم درجات ، قيل
المراد به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
لان الله رفع درجته في تفضيله على جميع الرسل ببعثته إِلى كافه الخلق كما قال تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ
» السباء ـ ٢٨ ، وبجعله رحمة للعالمين كما قال تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
» الانبياء ـ ١٠٧ ، وبجعله خاتماً للنبوة كما قال تعالى : « وَلَٰكِن
رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
» الاحزاب ـ ٤٠ ، وبإِيتائه قرآناً مهيمناً على جميع الكتب وتبياناً لكل شيء ومحفوظاً من تحريف المبطلين ، ومعجزاً باقياً ببقاء الدنيا كما قال تعالى
: « وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
» المائدة ـ ٤٨ ، وقال تعالى : « وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ
» النحل ـ ٨٩ ، وقال تعالى : « إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
» الحجر ـ ٩ ، وقال تعالى : « قُل
لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا » الاسراء ـ ٨٨ ، وباختصاصه بدين قيم
يقوم على جميع مصالح الدنيا والآخرة ، قال تعالى : « فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ
» الروم ـ ٤٣ ، وقيل المراد به ما رفع الله من درجة غير واحد من الانبياء كما يدل عليه قوله تعالى في نوح : « سَلَامٌ عَلَىٰ
نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ
» الصافات ـ ٧٩ ، وقوله تعالى في ابراهيم عليهالسلام
: « وَإِذِ
ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ