فهذا هو الذي يعطيه التدبر في كلامه تعالى ، والبحث التفسيري المقصور على الآيات القرآنية في معنى الكلام ، أما ما يقتضيه البحث الكلامي على ما اشتغل به السلف من المتكلمين أو البحث الفلسفي فسيأتيك نبأه .
واعلم : ان الكلام أو التكليم مما لم يستعلمه تعالى في غير مورد الانسان ، نعم الكلمة أو الكلمات قد استعملت في غير مورده ، قال تعالى : « وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ » النساء ـ ١٧١ ، اريد به نفس الانسان ، وقال تعالى : « وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا » التوبة ـ ٤٠ ، وقال تعالى : « وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا » الانعام ـ ١١٥ ، وقال تعالى : « مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ » لقمان ـ ٢٧ ، وقد اريد بها القضاء أو نوع من الخلق على ما سيجيء الإشارة اليه .
وأما لفظ القول فقد عم في كلامه تعالى الانسان وغيره فقال تعالى في مورد الإنسان : « فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ » طه ـ ١١٧ ، وقال تعالى في مورد الملائكة : « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » البقرة ـ ٣٠ ، وقال أيضاً : « إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ » ص ـ ٧١ ، وقال في مورد ابليس « قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ » ص ـ ٧٥ ، وقال تعالى في غير مورد أُولي العقل : « ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ » فصلت ـ ١١ ، وقال تعالى : « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ » الانبياء ـ ٦٩ ، وقال تعالى : « وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي » هود ـ ٤٤ ، ويجمع الجميع على كثرة مواردها وتشتتها قوله تعالى : « إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ » يس ـ ٨٢ ، وقوله تعالى : « إِذا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ » مريم ـ ٣٥ .
والذي يعطيه التدبر في كلامه تعالى ( حيث يستعمل القول في الموارد المذكورة مما له سمع وإِدراك بالمعنى المعهود عندنا كالانسان مثلاً ، ومما سبيله التكوين وليس له سمع وإِدراك بالمعنى المعهود عندنا كالارض والسماء ، وحيث ان الآيتين الاخيرتين بمنزلة التفسير لما يتقدمهما من الآيات ) ان القول منه تعالى ايجاد امر يدل على المعنى المقصود .
فأما في التكوينيات فنفس الشيء الذي
أوجده تعالى وخلقه هو شيء مخلوق