من حيث اشتماله على أمر حقيقي واقعي غير اعتباري كالقول في معنى الكلام بعينه فقد توهم أكثر الباحثين في المعارف الدينية : ان ما اشتملت عليه هذه البيانات امور اعتبارية ومعاني وهمية نظير ما يوجد بيننا معاشر أهل الاجتماع من الانسان من مقامات الرئاسة والزعامة والفضيلة والتقدم والتصدر ونحو ذلك ، فلزمهم ان يجعلوا ما يرتبط بها من الحقائق كمقامات الآخرة من جنة ونار وسؤال وغير ذلك مرتبطة مترتبة نظير ترتب الآثار الخارجية على هذه المقامات الاجتماعية الاعتبارية ، أي إِن الرابطة بين المقامات المعنوية المذكورة وبين النتائج المرتبة عليها رابطة الاعتبار والوضع ، ولزمهم ـ اضطراراً ـ كون جاعل هذه الروابط وهو الله تعالى وتقدس ، محكوماً بالآراء الاعتبارية ومبعوثاً عن الشعور الوهمي كالانسان الواقع في عالم المادة ، والنازل في منزل الحركة والاستكمال ، ولذلك تراهم يستنكفون عن القول باختصاص المقربين من أنبيائه وأوليائه بالكمالات الحقيقية المعنوية التي تثبتها لهم ظواهر الكتاب والسنة إِلا ان تنسلخ عن حقيقتها وترجع إِلى نحو من الاعتباريات .
قوله تعالى : وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ، رجوع إِلى أصل السياق وهو التكلم دون الغيبة كما مر .
والوجه في التصريح باسم عيسى مع عدم ذكر
غيره من الرسل في الآية : ان ما ذكره له عليهالسلام
من جهات التفضيل وهو إِيتاء البينات ، والتأييد بروح القدس مشترك بين الرسل جميعاً ليس مما يختص ببعضهم دون بعض ، قال تعالى : « لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
» الحديد ـ ٢٥ ، وقال تعالى : « يُنَزِّلُ
الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا
» النحل ـ ٢ ، لكنهما في عيسى بنحو خاص فجميع آياته كإِحياء الموتى وخلق الطير بالنفخ وإِبراء الاكمه والابرص ؛ والاخبار عن المغيبات كانت أُموراً متكئة على الحياة مترشحة عن الروح ، فلذلك نسبها إِلى عيسى عليهالسلام وصرح باسمه إِذ لولا التصريح لم يدل على كونه فضيلة خاصة كما لو قيل : وآتينا
بعضهم البينات وأيدناه بروح القدس ، إِذ البينات وروح القدس كما عرفت مشتركة غير مختصة ،
فلا يستقيم نسبتها إِلى البعض بالاختصاص إِلا مع التصريح باسمه ليعلم انها فيه
بنحو خاص غير مشترك تقريباً ، على ان في اسم عيسى عليهالسلام
خاصة اخرى وآية بينة وهي
( ٢ ـ الميزان ـ ٢١ )