أمرها ولا يرجى نيلها إِلا أن يؤمن الانسان بالله ويكفر بالطاغوت .
قوله تعالى : لا انفصام لها والله سميع عليم ، الانفصام : الانقطاع والانكسار ، والجملة في موضع الحال من العروة تؤكد معنى العروة الوثقى ، ثم عقبه بقوله : والله سميع عليم ، لكون الايمان والكفر متعلقاً بالقلب واللسان .
قوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم الى آخر الآية ، قد مر شطر من الكلام في معنى إِخراجه من النور الى الظلمات ، وقد بينا هناك أن هذا الاخراج وما يشاكله من المعاني امور حقيقية غير مجازية خلافاً لما توهمه كثير من المفسرين وسائر الباحثين أنها معان مجازية يراد بها الاعمال الظاهرية من الحركات والسكنات البدنية ، وما يترتب عليها من الغايات الحسنة والسيئة ، فالنور مثلاً هو الاعتقاد الحق بما يرتفع به ظلمة الجهل وحيره الشك واضطراب القلب ، والنور هو صالح العمل من حيث أن رشده بين ، وأثره في السعادة جلي ، كما ان النور الحقيقي على هذه الصفات . والظلمة هو الجهل في الاعتقاد والشبهة والريبة وطالح العمل ، كل ذلك بالاستعارة . والاخراج من الظلمة الى النور الذي ينسب الى الله تعالى كالاخراج من النور الى الظلمات الذي ينسب الى الطاغوت نفس هذه الاعمال والعقائد ، فليس وراء هذه الاعمال والعقائد ، لا فعل من الله تعالى وغيره كالاخراج مثلاً ولا أثر لفعل الله تعالى وغيره كالنور والظلمة وغيرهما ، هذا ما ذكره قوم من المفسرين والباحثين .
وذكر آخرون : ان الله يفعل فعلاً كالاخراج من الظلمات الى النور وإِعطاء الحياة والسعة والرحمة وما يشاكلها ويترتب على فعله تعالى آثار كالنور والظلمة والروح والرحمة ونزول الملائكة ، لا ينالها أفهامنا ولا يسعها مشاعرنا ، غير أنا نؤمن بحسب ما أخبر به الله ـ وهو يقول الحق ـ بأن هذه الامور موجودة وأنها أفعال له تعالى وإِن لم نحط بها خبراً ، ولازم هذا القول أيضاً كالقول السابق أن يكون هذه الالفاظ أعني أمثال النور والظلمة والإخراج ونحوها مستعملة على المجاز بالاستعارة ، وإِنما الفرق بين القولين أن مصاديق النور والظلمة ونحوهما على القول الأول نفس أعمالنا وعقائدنا ، وعلى القول الثاني امور خارجة عن اعمالنا وعقائدنا لا سبيل لنا إِلى فهمها ، ولا طريق الى نيلها والوقوف عليها .
والقولان جميعاً خارجان عن صراط
الاستقامة كالمفرِط والمفرَط ، والحق في