حال الموجودين من الطوائف المختلفة ، وقد بينا ذلك فيما مر من المباحث . وهو بفطرته يثبت للعالم صانعاً مؤثراً فيه بحسب التكوين والتدبير ، وقد مر أيضاً بيانه ، وهذا أمر لا يختلف في القضاء عليه حال الانسان سواء قال بالتوحيد كما يبتني عليه دين الانبياء وتعتمد عليه دعوتهم أو ذهب إِلى تعدد الآلهة كما عليه الوثنيون أو نفي الصانع كما عليه الدهريون والماديون ، فإِن الفطرة لا تقبل البطلان ما دام الانسان انساناً وإِن قبلت الغفلة والذهول .
لكن الانسان الاولي الساذج لما كان يقيس الاشياء إِلى نفسه ، وكان يرى من نفسه أن أفعاله المختلفة تستند الى قواه وأعضائه المختلفة ، وكذا الافعال المختلفة الاجتماعية تستند الى أشخاص مختلفة في الاجتماع ، وكذا الحوادث المختلفة الى علل قريبة مختلفة وان كانت جميع الازمة تجتمع عند الصانع الذي يستند اليه مجموع عالم الوجود لا جرم أثبت لانواع الحوادث المختلفة أرباباً مختلفة دون الله سبحانه فتارة كان يثبت ذلك باسم أرباب الانواع كرب الارض ورب البحار ورب النار ورب الهواء والارياح وغير ذلك ، وتارة كان يثبته باسم الكواكب وخاصة السيارات التي كان يثبت لها على اختلافها تأثيرات مختلفة في عالم العناصر والمواليد كما نقل عن الصابئين ثم كان يعمل صوراً وتماثيل لتلك الارباب فيعبدها لتكون وسيلة الشفاعة عند صاحب الصنم ويكون صاحب الصنم شفيعاً له عند الله العظيم سبحانه ، ينال بذلك سعادة الحياة والممات .
ولذلك كانت الاصنام مختلفة بحسب اختلاف الامم والاجيال لان الآراء كانت مختلفة في تشخيص الانواع المختلفة وتخيل صور أرباب الانواع المحكية باصنامها ، وربما لحقت بذلك أميال وتهوسات أُخرى . وربما انجر الامر تدريجاً الى التشبث بالاصنام ونسيان اربابها حتى رب الارباب لان الحس والخيال كان يزين ما ناله لهم ، وكان يذكرها وينسى ما ورائها ، فكان يوجب ذلك غلبة جانبها على جانب الله سبحانه ، كل ذلك انما كان منهم لانهم كانوا يرون لهذه الارباب تأثيراً في شؤن حياتهم بحيث تغلب ارادتها ارادتهم ، وتستعلي تدبيرها على تدبيرهم .
وربما كان يستفيد بعض اولي القوة
والسطوة والسلطة من جبابرة الملوك من اعتقادهم