ذلك ونفوذ أمره في شؤون حياتهم المختلفة ، فيطمع في المقام ويدعي الالوهية كما ينقل عن فرعون ونمرود وغيرهما ، فيسلك نفسه في سلك الارباب وإِن كان هو نفسه يعبد الاصنام كعبادتهم ، وهذا وإِن كان في بادء الامر على هذه الوتيرة لكن ظهور تأثيره ونفوذ أمره عند الحس كان يوجب تقدمه عند عباده على سائر الارباب وغلبة جانبه على جانبها ، وقد تقدمت الاشارة اليه آنفاً كما يحكيه الله تعالى من قول فرعون لقومه : « أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ » النازعات ـ ٢٤ ، فقد كان يدعي انه أعلى الارباب مع كونه ممن يتخذ الارباب كما قال تعالى : « وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ » الأعراف ـ ١٢٧ ، وكذلك كان يدعي نمرود على ما يستفاد من قوله : أنا أحيي وأُميت ، في هذه الآية على ما سنبين .
وينكشف بهذا البيان معنى هذه المحاجة الواقعة بين ابراهيم عليهالسلام ونمرود ، فإِن نمرود كان يرى لله سبحانه الوهية ، ولولا ذلك لم يسلم لابراهيم عليهالسلام قوله : إِن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، ولم يبهت عند ذلك بل يمكنه ان يقول : أنا آتي بها من المشرق دون من زعمت أو ان بعض الآلهة الاخرى يأتي بها من المشرق ، وكان يرى ان هناك آلهة اخرى دون الله سبحانه ، وكذلك قومه كانوا يرون ذلك كما يدل عليه عامة قصص ابراهيم عليهالسلام كقصة الكوكب والقمر والشمس وما كلم به أباه في أمر الاصنام وما خاطب به قومه وجعله الاصنام جذاذاً إِلا كبيراً لهم وغير ذلك ، فقد كان يرى لله تعالى الوهية ، وان معه آلهة اخرى لكنه كان يرى لنفسه الوهية ، وانه أعلى الآلهة ، ولذلك استدل على ربوبيته عند ما حاج ابراهيم عليهالسلام في ربه ، ولم يذكر من امر الآلهة الاخرى شيئاً .
ومن هنا يستنتج ان المحاجة التي وقعت بينه وبين ابراهيم عليهالسلام هي ، ان ابراهيم عليهالسلام كان يدعي ان ربه الله لا غير ونمرود كان يدعي انه رب ابراهيم وغيره ولذلك لما احتج ابراهيم عليهالسلام على دعواه بقوله : ربي الذي يحيي ويميت ، قال : انا أُحيي وأُميت ، فادعى انه متصف بما وصف به إِبراهيم ربه فهو ربه الذي يجب عليه ان يخضع له ويشتغل بعبادته دون الله سبحانه ودون الاصنام ، ولم يقل : وانا أُحيي وأُميت لان لازم العطف ان يشارك الله في ربوبيته ولم يكن مطلوبه ذلك بل كان مطلوبه التعين بالتفوق كما عرفت ، ولم يقل أيضاً : والآلهة تحيي وتميت .
ولم يعارض ابراهيم عليهالسلام بالحق ، بل بالتموين
والمغالطة وتلبيس الامر على من