قوله تعالى : ان آتيه الله الملك ، ظاهر السياق : انه من قبيل قول القائل : أساء إِلى فلان لاني احسنت اليه يريد :ان احساني اليه كان يستدعي ان يحسن الى لكنه بدل الاحسان من الإِسائه فأساء إِلى ، وقولهم : واتق شر من احسنت اليه ، قال الشاعر :
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر |
|
وحسن فعل كما يجزى سنمار |
فالجملة أعني قوله : ان آتيه الله الملك بتقدير لام التعليل وهي من قبيل وضع الشيء موضع ضده للشكوى والاستعداء ونحوه ، فإِن عدوان نمرود وطغيانه في هذه المحاجة كان ينبغي ان يعلل بضد انعام الله عليه بالملك ، لكن لما لم يتحقق من الله في حقه الا الإحسان اليه وايتائه الملك فوضع في موضع العلة فدل على كفرانه لنعمة الله فهو بوجه كقوله تعالى : « فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا » القصص ـ ٨ ، فهذه نكتة في ذكر ايتائه الملك .
وهناك نكتة اخرى وهي : الدلالة على ردائة دعواه من رأس ، وذلك انه انما كان يدعي هذه الدعوى لملك آتاه الله تعالى من غير ان يملكه لنفسه ، فهو انما كان نمرود الملك ذا السلطة والسطوة بنعمة من ربه ، وأما هو في نفسه فلم يكن الا واحداً من سواد الناس لا يعرف له وصف ، ولا يشار اليه بنعت ، ولهذا لم يذكر اسمه وعبر عنه بقوله : الذي حاج ابراهيم في ربه ، دلالة على حقارة شخصه وخسة أمره .
واما نسبة ملكه الى ايتاء الله تعالى فقد مر في المباحث السابقة : انه لا محذور فيه ، فإِن الملك وهو نوع سلطنة منبسطة على الامة كسائر انواع السلطنة والقدرة نعمة من الله وفضل يؤتيه من يشاء ، وقد أودع في فطرة الانسان معرفته ، والرغبة فيه ، فإِن وضعه في موضعه كان نعمة وسعادة ، قال تعالى : « وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ » القصص ـ ٧٧ ، وان عدا طوره وانحرف به عن الصراط كان في حقه نقمة وبواراً ، قال تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ » ابراهيم ـ ٢٨ ، وقد مر بيان ان لكل شيء نسبة اليه تعالى على ما يليق بساحة قدسه تعالى وتقدس من جهة الحسن الذي فيه دون جهة القبح والمسائة .
ومن هنا يظهر سقوط ما ذكره بعض المفسرين
: ان الضمير في قوله ان آتيه