وليت شعري كيف يصح الحكم بكون الاماتة المذكورة في الآية من قبيل السبات من جهة كون قصة أصحاب الكهف من قبيل السبات « على تقدير تسليمه » بمجرد شباهة ما بين القصتين مع ظهور قوله تعالى : فأماته الله ، في الموت المعهود دون السبات الذي اختلقه للآية ؟ وهل هو إِلا قياس فيما لم يقل بالقياس فيه أحد ، وهو أمر الدلالة ؟ إِذا جاز أن يلقي الله على رجل سبات مأة سنة مع كونه خرقاً للعادة فليجز له إِماتته مأة سنة ثم إِحيائه ، فلا فرق عنده تعالى بين خارق وخارق إِلا أن هذا القائل يرى إِحياء الموتى في الدنيا محالاً من غير دليل يدل عليه ، وقد تأول لذلك أيضاً قوله تعالى في ذيل الآية : وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً ، وسيجيء التعرض له .
وبالجملة دلالة قوله تعالى : فأماته الله مأة عام ، من حيث ظهور اللفظ وبالنظر الى قوله قبله : أنى يحيي هذه الله ، وقوله بعده ، فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ، وقوله : وانظر الى العظام ، مما لا ريب فيه .
قوله تعالى : قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مأة عام ، اللبث هو المكث وترديد الجواب بين اليوم وبعض اليوم يدل على اختلاف وقت إِماتته وإِحيائه كأوائل النهار وأواخره ، فحسب الموت والحياة نوماً وانتباهاً ، ثم شاهد اختلاف وقتيهما فتردد في تخلل الليلة بين الوقتين وعدم تخللها فقال يوماً ( لو تخللت الليلة ) أو بعض يوم ( لو لم تتخلل ) قال : بل لبثت مأة عام .
قوله تعالى : فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه الى قوله لحماً ، سياق هذه الجمل في أمره عجيب فقد كرر فيها قوله : انظر ثلاث مرات وكان الظاهر أن يكتفي بواحد منها ، وذكر فيها أمر الطعام والشراب والحمار والظاهر السابق الى الذهن أنه لم يكن الى ذكرها حاجة ، وجيء بقوله : ولنجعلك متخللاً في الكلام وكان الظاهر أن يتأخر عن جملة : وانظر الى العظام ، على ان بيان ما استعظمه هذا المار بالقرية ـ وهو احياء الموتى بعد طول المدة وعروض كل تغير عليها ـ قد حصل بإِحيائه نفسه بعد الموت فما الموجب لان يؤمر ثانياً بالنظر الى العظام ؟ لكن التدبر في أطراف الآية الشريفة يوضح خصوصيات القصة إِيضاحاً ينحل به العقدة وتنجلي به الشبهة المذكورة .
( القصة )
التدبر في الآية يعطي أن الرجل كان من
صالحي عباد الله ، عالماً بمقام ربه ، مراقباً