المال وبذله إِلا لما يرونه مؤثراً في قوام المال والثروة فتنقبض نفوسهم عن الاقدام إِلى بذله بخلاف خبيثه فإِنه لا قيمة له يعنى بها فلا بأس بإِنفاقه ، وهذا من تسويل الشيطان يخوّف أوليائه من الفقر ، مع ان البذل وذهاب المال والانفاق في سبيل الله وابتغاء مرضاته مثل البذل في المعاملات لا يخلو عن العوض والربح كما مر ، مع ان الذي يغني ويقني هو الله سبحانه دون المال ، قال تعالى : « وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ » النجم ـ ٤٨ .
وبالجملة لما كان إِمساكهم عن بذل طيب المال خوفاً من الفقر خطأ نبه عليه بقوله : الشيطان يعدكم الفقر ، غير انه وضع السبب موضع المسبب ، أعني انه وضع وعد الشيطان موضع خوف انفسهم ليدل على انه خوف مضر لهم فإِن الشيطان لا يأمر إِلا بالباطل والضلال إِما ابتدائاً ومن غير واسطة ، وإِما بالآخرة وبواسطة ما يظهر منه انه حق .
ولما كان من الممكن ان يتوهم ان هذا الخوف حق وإِن كان من ناحية الشيطان دفع ذلك بإِتباع قوله : الشيطان يعدكم الفقر بقوله : ويأمركم بالفحشاء أولاً ، فإِن هذا الامساك والتثاقل منهم يهيىء في نفوسهم ملكة الامساك وسجية البخل ، فيؤدي إِلى ردّ أوامر الله المتعلقة بأموالهم وهو الكفر بالله العظيم ، ويؤدي إِلى إِلقاء أرباب الحاجة في تهلكة الاعسار والفقر والمسكنة التي فيه تلف النفوس وانهتاك الاعراض وكل جناية وفحشاء ، قال تعالى : « وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ إِلى ان قال : الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » التوبة ـ ٧٩ .
ثم بإِتباعه بقوله : والله يعدكم مغفرة
منه وفضلاً والله واسع عليم ثانياً
، فإِن الله قد بين للمؤمنين : ان هناك حقاً وضلالاً لا ثالث لهما ، وان الحق وهو الطريق
المستقيم هو من الله سبحانه ، وان الضلال من الشيطان ، قال تعالى : « فَمَاذَا بَعْدَ
الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ » يونس ـ ٣٢ ، وقال
تعالى : « قُلِ
اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ
» يونس ـ ٣٥ ، وقال تعالى في الشيطان : « إِنَّهُ
عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
» القصص ـ ١٥ ، والآيات جميعاً مكية ، وبالجملة نبه تعالى بقوله : والله يعدكم ، بأن هذا الخاطر الذي يخطر ببالكم من جهة
الخوف