الخمر واللهو فيما بينه وبين الله ونحو ذلك ، فإِن قوله : فمن جائه موعظة من ربه وانتهى ، مطلق يشمل الكافرين والمؤمنين في اول التشريع وغيرهم من التابعين وأهل الاعصار اللاحقة .
وأما قوله : ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ، فوقوع العود في هذه الجملة في مقابل الانتهاء الواقع في الجملة السابقة يدل على ان المراد به العود الذي يجامع عدم الانتهاء ، ويلازم ذلك الإصرار على الذنب وعدم القبول للحكم وهذا هو الكفر او الردة باطناً ولو لم يتلفظ في لسانه بما يدل على ذلك ، فإِن من عاد الى ذنب ولم ينته عنه ولو بالندم فهو غير مسلم للحكم تحقيقاً ولا يفلح ابداً . فالترديد في الآية بحسب الحقيقة بين تسليم الحكم الذي لا يخلو عن البناء على عدم المخالفة وبين الإصرار الذي لا يخلو غالباً عن عدم التسليم المستوجب للخلود على ما عرفت .
ومن هنا يظهر الجواب عن استدلال المعتزلة بالآية على خلود مرتكب الكبيرة في العذاب . فان الآية وان دلت على خلود مرتكب الكبيرة بل مطلق من اقترف المعصية في العذاب لكن دلالتها مقصورة على الارتكاب مع عدم تسليم الحكم ولا محذور فيه .
وقد ذكر في قوله تعالى : فله ما سلف ، وفي قوله : وأمره الى الله ، وقوله : ومن عاد « الخ » وجوه من المعاني والاحتمالات على اساس ما فهمه الجمهور من الآية على ما تقدم لكنا تركنا إِيرادها لعدم الجدوى فيها بعد فساد المنشأ .
قوله تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات « الخ » ، المحق نقصان الشيء حالاً بعد حال ، ووقوعه في طريق الفناء والزوال تدريجاً ، والإرباء الإنماء ، والأثيم الحامل للإثم ، وقد مر معنى الاثم .
وقد قوبل في الآية بين إِرباء الصدقات ومحق الربا ، وقد تقدم ان إِرباء الصدقات وإِنمائها لا يختص بالآخرة بل هي خاصة لها عامة تشمل الدنيا كما تشمل الآخرة فمحق الربا ايضاً كذلك لا محالة .
فكما أن من خاصة الصدقات أنها تنمي
المال إِنمائاً يلزمها ذلك لزوماً قهرياً لا ينفك عنها من حيث أنها تنشر الرحمة وتورث المحبة وحسن التفاهم وتألف القلوب وتبسط الامن والحفظ ، وتصرف القلوب عن ان تهم بالغضب والاختلاس والإفساد