واما رابعاً : فلأن ما ذكر من المفسدة لو كان موجباً لما ذكره من الظلم والكفر بالنعمة لجرى في مطلق الصرف كما يجري في المعاملة الربوية بالنسيئة والقرض ، ولم يجر في الربا الذي في المكيل والموزون مع ان الحكم واحد ، فما ذكره غير تام جمعاً ومنعاً .
والذي ذكره تعالى في حكمة التحريم منطبق على ما قدمناه من أخذ الزيادة من غير عوض . قال تعالى : « وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ » الروم ـ ٣٩ ، فجعل الربا رابياً في أموال الناس وذلك انه ينمو بضم أجزاء من أموال الناس الى نفسه كما ان البذر من النبات ينمو بالتغذي من الارض وضم أجزائها الى نفسه ، فلا يزال الربا ينمو ويزيد هو وينقص أموال الناس حتى يأتي الى آخرها ، وهذا هو الذي ذكرناه فيما تقدم ، وبذلك يظهر ان المراد بقوله تعالى : وإِن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون الآية يعني به لا تظلمون الناس ولا تظلمون من قبلهم أو من قبل الله سبحانه فالربا ظلم على الناس .
* * *
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ
مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا
عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا
يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ
فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ
فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا
أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ
وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا
( ـ ٢ الميزان ـ ٢٨ )