أن الانسان إِنما يقول : « سمعاً » فيما يمكن ان تقبله نفسه بالفهم ، وأما ما لا يقبل الفهم فلا معنى لاجابته بالسمع والقبول . ومن البين أيضاً ان الانسان انما يقول : « طاعة » فيما يقبل مطاوعة الجوارح وأدوات العمل ، فإِن الاطاعة هي مطاوعة الانسان وتأثر قواه وأعضائه عن تأثير الآمر المؤثر ، وأما ما لا يقبل المطاوعة كأن يؤمر الانسان ان يسمع ببصره ، او يحل بجسمه أزيد من مكان واحد ، أو يتولد من أبويه مرة ثانية فلا يقبل إِطاعة ولا يتعلق بذلك تكليف مولوي ، فإِجابة داعي الحق بالسمع والطاعة لا تتحقق الا في ما هو اختياري للانسان تتعلق به قدرته ، وهو الذي يكسب به الانسان لنفسه ما ينفعه أو يضره ، فالكسب نعم الدليل على أن ما كسبه الانسان إِنما وجده وتلبس به من طريق الوسع والطاقة .
فظهر مما ذكرنا ان قوله : لا يكلف الله ، كلام جار على سنة الله الجارية بين عباده : ان لا يكلفهم ما ليس في وسعهم من الايمان بما هو فوق فهمهم والإِطاعة لما هو فوق طاقة قواهم ، وهي ايضاً السنة الجارية عند العقلاء وذوي الشعور من خلقه ، وهو كلام ينطبق معناه على ما يتضمنه قوله حكاية عن الرسول والمؤمنين : سمعنا وأطعنا من غير زيادة ولا نقيصة .
والجملة أعني قوله : لا يكلف الله نفساً ، متعلقة المضمون بما تقدمها وما تأخر عنها من الجمل المسرودة في الآيتين .
أما بالنسبة الى ما تقدمها فإِنها تفيد : أن الله لا يكلف عباده بأزيد مما يمكنهم فيه السمع والطاعة وهو ما في وسعهم ان يأتوا به .
وأما بالنسبة الى ما تأخر عنها فإِنها
تفيد أن ما سئله النبي والمؤمنون من عدم المؤاخذة على الخطأ والنسيان ، وعدم حمل الإصر عليهم ، وعدم تحميلهم ما لاطاقه لهم
به ، كل ذلك وإِن كانت أُموراً حرجية لكنها ليست من التكليف بما ليس في الوسع ، فإِن الذي يمكن أن يحمل عليهم مما لا طاقة لهم به ليس من قبيل التكليف ، بل من قبيل جزاء التمرد والمعصية ، وأما المؤاخذة على الخطأ والنسيان فإِنهما وان كانا بنفسهما غير اختياريين لكنهما اختياريان من طريق مقدماتهما . فمن الممكن ان يمنع عنهما مانع بالمنع عن مقدماتهما او بإِيجاب التحفظ عنهما ، وخاصة اذا كان ابتلاء الإنسان بهما مستنداً إِلى سوء الاختيار ، ومثله الكلام في حمل الاصر فإِنه اذا استند