حينئذ يتعلق بالجمع ، ففي اتيان الاهلة بصيغة الجمع دلالة على ان السؤال انما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالاً بعد هلال ورسمه الشهور القمرية ، وعبر عن ذلك بالاهلة لانها هي المحققة لذلك فاجيب بالفائدة .
ويستفاد ذلك من خصوص الجواب : قل هي مواقيت للناس والحج ، فإِن المواقيت وهي الازمان المضروبة للافعال ، والاعمال انما هي الشهور دون الاهلة التي ليست بأزمنة وانما هي أشكال وصور في القمر .
وبالجملة قد تحصل ان الغرض في السؤال انما كان متعلقاً بشأن الشهور القمرية من حيث السبب أو الفائدة فاجيب ببيان الفائدة وانها أزمان وأوقات مضروبة للناس في أمور معاشهم ومعادهم فإن الانسان لا بد له من حيث الخلقة من ان يقدر أفعاله واعماله التي جميعها من سنخ الحركة بالزمان ، ولازم ذلك ان يتقطع الزمان الممتد الذي ينطبق عليه أُمورهم قطعاً صغاراً وكباراً مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الالهية التي تدبر امور خلقه وتهديهم الى صلاح حياتهم ، والتقطيع الظاهر الذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدوي والحضري ويسهل حفظه على الجميع انما هو تقطيع الايام بالشهور القمرية التي يدركه كل صحيح الإِدراك مستقيم الحواس من الناس دون الشهور الشمسية التي ما تنبه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الانسان الا بعد قرون واحقاب من بدء حياته في الارض وهو مع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائماً .
فالشهور القمرية أوقات مضروبة معينة للناس في امور دينهم ودنياهم وللحج خاصة فإنه أشهر معلومات ، وكأن اختصاص الحج بالذكر ثانياً تمهيد لما سيذكر في الآيات التالية من اختصاصه ببعض الشهور .
قوله تعالى : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إِلى قوله : من ابوابها ، ثبت بالنقل ان جماعة من العرب الجاهلي كانوا إذا أحرموا للحج لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب بل اتخذوا نقباً من ظهورها ودخلوا منه فنهى عن ذلك الاسلام وامرهم بدخول البيوت من ابوابها ، ونزول الآية يقبل الانطباق على هذا الشأن ، وبذلك يصح الاعتماد على ما نقل من شأن نزول الآية على ما سيأتي نقله .
ولو لا ذلك لامكن ان يقال : ان قوله :
وليس البر إلى آخره ، كناية عن النهي