إِلى قوله ، فدية طعام مسكين اه . وإِذا كان هذا العمل مشتملاً على خيركم ومراعي فيه ما أمكن من التخفيف والتسهيل عليكم كان خيركم أن تأتوا به بالطوع والرغبة من غير كره وتثاقل وتثبط ، فإِن من تطوع خيراً فهو خير له من ان يأتي به عن كره وهو قوله تعالى : فمن تطوع خيراً فهو خير له الخ ، فالكلام الموضوع في الآيتين كما ترى توطئة وتمهيد لقوله تعالى في الآية الثالثة : فمن شهد منكم الشهر فليصمه الخ ، وعليهذا فقوله تعالى في الآية الاولى : كتب عليكم الصيام ، إِخبار عن تحقق الكتابة وليس بإنشاء للحكم كما في قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الآية » البقرة ـ ١٧٨ ، وقوله تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ » البقرة ـ ١٨٠ ، فإن بين القصاص في القتلى والوصية للوالدين والأقربين وبين الصيام فرقاً ، وهو أن القصاص في القتلى أمر يوافق حس الانتقام الثائر في نفوس أولياء المقتولين ويلائم الشح الغريزي الذي في الطباع ان ترى القاتل حياً سالماً يعيش ولا يعبأ بما جنى من القتل ، وكذلك حس الشفقة والرأفة بالرحم يدعو النفوس إلى الترحم على الوالدين والأقربين ، وخاصة عند الموت والفراق الدائم ، فهذان أعني القصاص ، والوصية حكمان مقبولان بالطبع عند الطباع ، موافقان لما تقتضيها فلا يحتاج الانباء عنها بإنشائها إِلى تمهيد مقدمة وتوطئة بيان بخلاف حكم الصيام ، فإِنه يلازم حرمان النفوس من أعظم مشتهياتها ومعظم ما تميل إِليها وهو الاكل والشرب والجماع ، ولذلك فهو ثقيل على الطبع ، كريه عند النفس ، يحتاج في توجيه حكمه إِلى المخاطبين ، وهم عامة الناس من المكلفين إِلى تمهيد وتوطئة تطيب بها نفوسهم وتحن بسببها إلى قبوله وأخذه طباعهم ، ولهذا السبب كان قوله : كتب عليكم القصاص اه ، وقوله : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ، إِنشاء للحكم من غير حاجة الى تمهيد مقدمة بخلاف قوله : كتب عليكم الصيام فإِنه إِخبار عن الحكم وتمهيد لإِنشائه بقوله : فمن شهد منكم ، بمجموع ما في الآيتين من الفقرات السبع .
قوله
تعالى : يا أيها الذين آمنوا اه ، الإتيان بهذا
الخطاب لتذكيرهم بوصف فيهم وهو الايمان ، يجب عليهم إذا التفتوا إليه أن يقبلوا ما يواجههم ربهم به من الحكم
وإِن كان على خلاف مشتهياتهم وعاداتهم ، وقد صدرت آية القصاص بذلك أيضاً لما سمعت