بمجرد التوحيد ، وإِنما أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزيه لإعلاء كلمة الحق على كلمتهم وإِظهار الإسلام على الدين كله .
قوله تعالى : فإِن انتهوا فلا عدوان إِلا على الظالمين ، أي فإِن انتهوا عن الفتنة وآمنوا بما آمنتم به فلا تقاتلوهم فلا عدوان إِلا على الظالمين ، فهو من وضع السبب موضع المسبب كما مر نظيره في قوله تعالى : فإِن انتهوا فإِن الله غفور رحيم الآية ، فالآية كقوله تعالى : « فإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ » التوبة ـ ١٢
قوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ، الحرمات جمع حرمة وهي ما يحرم هتكه ويجب تعظيمه ورعاية جانبه ، والحرمات : حرمة الشهر الحرام وحرمة الحرم وحرمة المسجد الحرام ، والمعنى أنهم لو هتكوا حرمة الشهر الحرام بالقتال فيه ، وقد هتكوا حين صدوا النبي وأصحابه عن الحج عام الحديبية ورموهم بالسهام والحجارة جاز للمؤمنين أن يقاتلوهم فيه وليس بهتك ، فانما يجاهدون في سبيل الله ويمتثلون أمره في إِعلاء كلمته ولو هتكوا حرمة الحرم والمسجد الحرام بالقتال فيه وعنده جاز للمؤمنين معاملتهم بالمثل ، فقوله : الشهر الحرام بالشهر الحرام بيان خاص عقب ببيان عام يشمل جميع الحرمات وأعم من هذا البيان العام قوله تعالى عقيبه : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، فالمعنى أن الله سبحانه إِنما شرع القصاص في الشهر الحرام لانه شرع القصاص في جميع الحرمات وإِنما شرع القصاص في الحرمات لانه شرع جواز الاعتداء بالمثل .
ثم ندبهم الى ملازمة طريقة الاحتياط في الاعتداء لأن فيه استعمالاً للشدة والبأس والسطوة وسائر القوى الداعية إِلى الطغيان والانحراف عن جادة الاعتدال والله سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين ، وهم أحوج إِلى محبة الله تعالى وولايته ونصره فقال تعالى : واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين .
وأما أمره تعالى بالاعتداء مع انه لا يحب المعتدين فإِن الاعتداء مذموم إِذا لم يكن في مقابله اعتداء وأما إِذا كان في مقابله الاعتداء فليس إِلا تعالياً عن ذل الهوان وارتقاء عن حضيض الاستعباد والظلم والضيم ، كالتكبر مع المتكبر ، والجهر بالسوء لمن ظلم .