المكان المدلول عليه بقوله عند المسجد .
قوله تعالى : فإِن انتهوا فإِن الله غفور رحيم ، الانتهاء الامتناع والكف ، والمراد به الانتهاء عن مطلق القتال عند المسجد الحرام دون الانتهاء عن مطلق القتال بطاعة الدين وقبول الإسلام فإِن ذلك هو المراد بقوله ثانياً : فان انتهوا فلا عدوان ، وأما هذا الانتهاء فهو قيد راجع الى أقرب الجمل اليه وهو قوله : ولا تقاتلوهم عند المسجد ، وعلى هذا فكل من الجملتين اعني قوله تعالى : فإِن انتهوا فان الله ، وقوله تعالى : فان انتهوا فلا عدوان ، قيد لما يتصل به من الكلام من غير تكرار .
وفي قوله تعالى : فان الله غفور رحيم ، وضع السبب موضع المسبب إِعطاء لعلة الحكم ، والمعنى فإِن انتهوا فإِن الله غفور رحيم .
قوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله ، تحديد لأمد القتال كما مر ذكره ، والفتنة في لسان هذه الآيات هو الشرك باتخاذ الاصنام كما كان يفعله ويكره عليه المشركون بمكة ، ويدل عليه قوله تعالى : ويكون الدين لله : والآية نظيرة لقوله تعالى : « وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ » الانفال ـ ٤٠ ، وفي الآية دلالة على وجوب الدعوة قبل القتال فان قبلت فلا قتال وان ردت فلا ولاية الا لله ونعم المولى ونعم النصير ، ينصر عباده المؤمنين ، ومن المعلوم أن القتال إِنما هو ليكون الدين لله ، ولا معنى لقتال هذا شأنه وغايته إِلا عن دعوة إِلى الدين الحق وهو الدين الذي يستقر على التوحيد .
ويظهر من هذا الذي ذكرناه أن هذه الآية
ليست بمنسوخة بقوله تعالى : « قَاتِلُوا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
» التوبة ـ ٣٠ ، بناء على أن دينهم لله سبحانه وتعالى ، وذلك أن الآية أعني قوله تعالى : وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ، خاصة بالمشركين غير شاملة لأهل الكتاب ، فالمراد ، بكون الدين لله سبحانه وتعالى هو أن لا يعبد الاصنام ويقر بالتوحيد ، وأهل الكتاب مقرون به ، وإِن كان ذلك كفراً منهم بالله بحسب الحقيقة كما قال تعالى : إِنهم لا يؤمنون
بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، لكن الإسلام قنع منهم