فكانت تصدّر البضائع من جزيرة العرب إلىٰ الأردن وفلسطين والشام والروم وفارس ، وتستورد الأقمشة والعسل والأواني النحاسية والأسلحة والأطعمة من تلك الأقاليم إلىٰ الحجاز ، فكانت تؤدّي خدمة اقتصادية لأهل مكّة ويثرب (١).
وكان أبو طالب عليهالسلام يمارس التجارة لكنّه كبُر وضعف ، وفي يوم ما دخل عليه النبي صلىاللهعليهوآله فرآه مهموماً فقال له : « يا عمّ ما لي أراك مهموما ! » ، فقال له أبو طالب عليهالسلام : يا محمّد ، إني قد كبرت وضعفت عن التجارة ! فقال له محمّد صلىاللهعليهوآله : « إذن يا عمّ ما هو الرأي ؟ » ، فقال أبو طالب عليهالسلام : اعلم يا محمّد أن خديجة قد انتفع بمالها أكثر الناس ، وهي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة ، فهل لك يا ابن أخي أن نمضي معاً ونسألها أن تعطيك مالاً فتتّجر به ! (٢) فرحّب بعرض عمّه أبي طالب ، وكانت السيدة خديجة قد بلغها أن محمّداً صلىاللهعليهوآله يمتاز بصدق الحديث وأداء الأمانة وسمو الأخلاق ، فلذا وافقت من فورها وأرسلت إليه ليخرج في تجارتها إلىٰ الشام ، فوافق محمّد صلىاللهعليهوآله علىٰ ذلك ، ثمّ انها قد هيأت له ملابس السفر والتي كانت عبارة عن ثوبين من قباطي مصر ؛ جُبَّة عدنية وبُرْدَة يمانية ، وعمامة عراقية ، وخفّين من الأديم ، وقضيب خيزران ، فلبسها ، وعندها ظهر النبي صلىاللهعليهوآله كأنّه البدر في ليلة تمامه.
ثمّ أنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله ودّع السيدة خديجة وركب راحلته وخرج معه خادمها ميسرة ، وبدأت رحلة التجارة التي قادها لأوّل مرّة محمّد صلىاللهعليهوآله حتىٰ قدم الشام ،
_____________
(١) قديسة الإسلام / الحسيني الميلاني : ٣٣.
(٢) رياحين الشريعة / ذبيح الله محلاتي ٢ : ٢١٤ (فارسي).