الإستصحاب المذكور حيث انّه ـ الركن الثاني ـ يعتبر الشك في البقاء ، وفي الشبهات الحكمية لا يوجد شكّ في البقاء إذ المجال لثبوت الحكم الشرعي ليس هو إلاّ عالم الجعل والتشريع ، فحرمة الاتّصال الجنسي لا وجود لها إلاّ في عالم الجعل والتشريع ، وإذا رجعنا الى هذا العالم نجد انّ الأحكام الثابتة فيه ثابتة في آن واحد بلا تقدم لبعضها وتأخر للآخر ، ففي ذلك العالم ثبت في آن واحد حرمة الإتصال إن كان الدم ينزل والحرمة لو إنقطع الدم قبل الإغتسال والجواز بعد حصول الإغتسال ، إنّ هذا الأحكام شرعها الله سبحانه في آن واحد لا انّه شرع الحرمة الاولى وبقي تشريع الحرمة الثانية ينتظر انقطاع الدم وتشريع الجواز منتظرا حصول الاغتسال.
واذا كان تشريع هذه الأحكام الثلاثة قد حصل في وقت واحد فلا يمكن صدق الشكّ في بقاء الحرمة ، إنّ الحرمة الاولى لم تشرع أوّلا ليكون الشكّ في ثبوت الحرمة بعد إنقطاع الدم شكا في بقاء تلك الحرمة. وعليه فالشكّ في الحرمة الاولى ليس شكا في البقاء بل هو شكّ في أصل الحدوث فلا يجري الاستصحاب فيها ، فإنّ جريان الاستصحاب يحتاج الى يقين سابق وشكّ في البقاء ، وكلا هذين غير ثابت. أمّا الأوّل فلأنّ الحرمة المتيقنة هي الحرمة الاولى دون الحرمة الثانية. وأمّا الثاني فلان الحرمة الثانية لا يوجد شكّ في بقائها بل يشكّ في أصل حدوثها.
والجواب عن هذه الشبهة : إنّ موطن ثبوت الحكم لا ينحصر في عالم الجعل ليقال بعدم تحقق الشكّ في البقاء في هذا العالم بل له موطن ثان وهو عالم المجعول والفعلية ، أي عالم الخارج ، فإنّه في الخارج تتصف المرأة الحائض بالحرمة أيضا