١ ـ الصغرى ، وهي أنّ الاقتران للحادثة الثانية بالأولى كان في مرّات عديدة.
٢ ـ الكبرى ، وهي أنّ الصدفة والاتّفاق لا يكون دائميّا.
فالنتيجة هي أنّ هذا الاقتران المتكرّر للحادثة الثانية بالأولى الثابت بالتجربة ليست اتّفاقا وصدفة ، بل هو بنحو العلّيّة.
والصغرى ثابتة وجدانا بالحسّ ؛ لأنّ هذه الاقترانات موجودة فعلا أمامنا بالتجربة.
وأمّا الكبرى فيفترض المنطق الأرسطي أنّها بديهيّة وأوّليّة يؤمن بها العقل بمجرّد تصوّرها ولا نحتاج إلى دليل وبرهان ؛ لأنّ الصدفة لا تتكرّر دائما أو غالبا.
وبكلمة أخرى :
بمعنى أنّه يمتنع أن يكون هذا الاقتران في كلّ هذه المرّات صدفة ؛ لأنّ الصدفة لا تتكرّر لهذه الدرجة ، وهذه الكبرى يعتبرها المنطق قضيّة عقليّة أوّليّة ، ولا يمكن في رأيه أن تكون ثابتة بالتجربة ؛ لأنّها تشكّل الكبرى لإثبات كلّ قضيّة تجريبيّة ، فكيف يعقل أن تكون هي بنفسها قضيّة تجريبيّة؟!
فالمنطق الأرسطي يؤمن بأنّ الصدفة لا تتكرّر دائما أو غالبا فإذا تكرّرت فهي ليست صدفة ، بل تكون إحدى الحادثتين علّة للأخرى ؛ لأنّ الصدفة لا تتكرّر إلى هذه الدرجة ، فالاستمرار والدوام في التكرّر بنفسه يدلّ على أنّه ليس صدفة ، ولا يحتاج إلى إعمال فكر ونظر وبرهان ، ولذلك اعتبرها قضيّة بديهيّة.
ولا يمكن أن تكون هذه الكبرى وهي : ( أنّ المرّات الكثيرة جدّا يمتنع أن تكون صدفة واتّفاقا ) قضيّة تجريبيّة يقام عليها البرهان والدليل ، وإلا لامتنع الوصول إلى قضيّة يقينيّة من التجربة ؛ إذ سوف تكون كلّ تجربة بحاجة إلى تجربة أخرى ، وكلّ قضيّة لا بدّ من إجراء التجربة عليها مجدّدا وهذا يؤدّي عندهم إلى الدور أو التسلسل الممتنع.
ولذلك قالوا باستحالة كون هذه الكبرى ثابتة بالتجربة وبالبرهان ، وإنّما العقل يؤمن ويصدّق بها إيمانا أوّليّا ، ولذلك تشكّل الكبرى والأساس الذي يعتمد عليه القياس الاستنباطي في كلّ القضايا التجريبيّة ، فكيف يعقل أن تكون هذه الكبرى تجريبيّة أيضا وثابتة بالدليل والبرهان؟!
وإذا دقّقنا النظر وجدنا أنّ الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة المتواترة مردّها إلى