نفس الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة التجريبيّة ؛ لأنّ كذب المخبر يعني افتراض مصلحة شخصيّة معيّنة دعته إلى إخفاء الواقع ، وكذب العدد الكبير من المخبرين معناه افتراض أنّ مصلحة المخبر الأوّل في الإخفاء اقترنت صدفة بمصلحة المخبر الثاني في الإخفاء ، والمصلحتان معا اقترنتا صدفة بمصلحة المخبر الثالث في الشيء نفسه وهكذا ، على الرغم من اختلاف ظروفهم وأحوالهم ، فهذا يعني أيضا تكرّر الصدفة مرّات كثيرة.
وعلى هذا الأساس أرجع المنطق الاستدلال على القضيّة التجريبيّة والقضيّة المتواترة إلى القياس المكوّن من المقدّمتين المشار إليهما واعتقد بأنّ القضيّة المستدلّة ليست بأكبر من مقدّماتها.
ثمّ إنّنا إذا لاحظنا الكبرى في القضيّة التجريبيّة وهي : ( أنّ الاتّفاق والصدفة لا يتكرّر دائما ) ، والكبرى في القضيّة المتواترة : ( إخبار جماعة كثيرة يمتنع اتّفاقهم على الكذب ) ، وجدنا أنّ الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة المتواترة مرجعها إلى الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة التجريبيّة ، أي أنّها تعتمد على أنّ الاتّفاق والصدفة لا يتكرّران دائما.
وبيان ذلك : أنّ الإخبارات الكثيرة التي حصلنا عليها بالحسّ والوجدان من الممكن أن تكون صادقة ، ومن المحتمل أن تكون كاذبة كلّها ، ثمّ إنّ مبرّرات صدقها جميعا واحد وهو أن يكون مضمون هذه الإخبارات قد صدر فعلا من المتكلّم ، ولهذا فإنّ كثرة الإخبار عنه صادقة ولها مبرّر معقول.
وأمّا مبرّرات كذبها فهي مختلفة كثيرا وافتراض وحدتها معناه أنّ كذب المخبر الأوّل معناه وجود مصلحة له في الكذب والإخفاء للواقع ، والحقيقة هي التي دفعته إلى الكذب وتغيير الواقع وهذا معقول في نفسه ، ولكن مصلحة الثاني في الكذب إن لوحظت في نفسها فهي كالمصلحة الأولى ، ولكن اقتران المصلحتين معا في الكذب فى شيء واحد احتمال وإن كان معقولا ولكنّه يعني أنّ المصلحتين قد اقترنتا صدفة للكذب في هذا الخبر بالخصوص.
فإذا كان هناك أخبار كثيرة جدّا فهذا يعني اقتران المصلحة في الكذب والإخفاء في كلّ خبر منها ببقيّة الأخبار لمجرّد الصدفة والاتّفاق ؛ لأنّ المفروض أنّ هؤلاء المخبرين