وحينئذ يخرج البحث عن الشهرة بهذا المعنى عن وسائل الإحراز الوجداني للدليل الشرعي ويدخل في وسائل الإحراز التعبّدي ، وأنّ هذا الظن هل قام الدليل على حجيّته ولزوم التعبد به أم لا؟ فإذا لم يثبت دليل على حجيّته فلا يكون حجّة لأنّ الظن بنفسه ليس حجّة.
وإذا حددنا الإجماع تحديدا عدديّا باتفاق مجموعة الفقهاء ، كان معنى الشهرة في الفتوى تطابق الجزء الأكبر من هذه المجموعة ، إمّا مع عدم وجود فكرة عن آراء الآخرين أو مع الظن بموافقتهم أيضا ، أو مع العلم بخلافهم.
وأمّا إذا حددنا الإجماع تحديدا عدديّا من حيث الكم فقط ، فقلنا : إنّ الإجماع عبارة عن اتفاق كل الفقهاء على الفتوى ، فسوف تكون الشهرة في الفتوى والتي هي دون الإجماع درجة تطابق أكثر أو أغلب آراء الفقهاء على الفتوى ، بحيث تكون الأغلبية أو الأكثرية من مجموعة الفقهاء قد ذهبت للوجوب مثلا.
وأمّا باقي الفقهاء ، فإما أن يكونوا موافقين لهم أيضا أو مخالفين ، وإمّا أن يكون رأيهم مجهولا لنا ، فهذه احتمالات ثلاثة يمكن تصوّرها بالنسبة لآراء العدد المقابل للمشهور.
والشهرة بهذا المعنى قد تدخل في الإجماع بالتحديد الكيفي المتقدّم ، وتوجب إحراز الدليل الشرعي بحساب الاحتمال ، وهو أمر يختلف من مورد لآخر.
وحينئذ سوف تكون الشهرة بالغة عددا كبيرا من آراء الفقهاء ، وهذا معناه أنّ هذا العدد من المفتين قد يدخل في التحديد السابق للإجماع من أنّه عدد من المفتين يوجب العلم أو الاطمئنان ؛ إذ قد يستفاد من خلال هذه العدد المشهور اليقين أو الاطمئنان على أساس حساب الاحتمالات من خلال تجميع القيم الاحتماليّة للصدق ، وتضاؤل القيم الاحتماليّة للخلاف.
فالمضعف الكمي الذي يبتني عليه المنهج الاستقرائي وحساب الاحتمالات موجود ، يبقى وجود المضعف الكيفي ، وهذا يرتبط بنوعية المفتين وعلمهم وطبقتهم ونحو ذلك من عوامل موضوعية ، ويرتبط أيضا بالطرف المقابل للمشهور المخالف له في الفتوى ونوعيتهم وعلمهم إلى آخره.
ولذلك فقد تفيد هذه الشهرة العلم إذا كان المضعف الكيفي موجودا بدرجة