مجيئه ) ، ومثل هذه الجملة لا مفهوم لها ، لأنّها قضيّة حمليّة جزئيّة لا يستفاد منها أكثر من منطوقها ، فإذا انتفى مجيء الفاسق بالنبإ ينتفي الحكم من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، لا من باب المفهوم ، أي أنّه لا يجب التبيّن لأنّه لا موضوع له ، وأمّا أنّ خبر العادل يجب التبيّن عنه أم لا فهذا مطلب آخر يحتاج إلى دليل خاص يدلّ عليه.
والتحقيق : أنّ الموضوع والشرط في الجملة الشرطيّة المذكورة يمكن تصويرهما بأنحاء :
منها : أن يكون الموضوع طبيعي النبأ ، والشرط مجيء الفاسق به.
ومنها : أن يكون الموضوع نبأ الفاسق ، والشرط مجيئه به ، فكأنّه قال : ( نبأ الفاسق إذا جاءكم به فتبينوا ).
ومنها : أن يكون الموضوع الجائي بالخبر ، والشرط فسقه ، فكأنّه قال : ( الجائي بالخبر إذا كان فاسقا فتبينوا ).
والجواب عن هذا الاعتراض أن يقال : إنّ الموضوع والشرط في هذه الجملة الشرطيّة يمكن تصويرهما على ثلاثة أنحاء ، فيثبت المفهوم في اثنين منها دون الثالث ، فلا بد من بيان هذه الأنحاء الثلاثة لمعرفة ما هو المقصود منها في مقامنا.
فنقول : تارة يكون الموضوع طبيعي النبأ من دون قيد ، والشرط هو مجيء الفاسق به ، والجزاء هو الأمر بالتبيّن. فيكون المعنى أنّ النبأ إذا جاء به الفاسق فيجب التبيّن عنه.
وأخرى يكون الموضوع نبأ الفاسق أي النبأ المقيّد بالفاسق ، والشرط هو مجيء الفاسق به ، والجزاء هو الأمر بالتبيّن. ويكون المعنى أنّ نبأ الفاسق إذا جاء به الفاسق فيجب التبيّن عنه.
وثالثة يكون الموضوع الجائي بالنبإ ، أو النبأ المجيء به ، والشرط هو فسق الجائي ، والجزاء هو الأمر بالتبيّن. ويكون المعنى أنّ الجائي بالنبإ إن كان فاسقا فيجب التبيّن عنه.
وحينئذ لا بدّ من البحث حول ثبوت المفهوم وعدمه في كل من هذه الأنحاء الثلاثة ، فنقول :
ولا شكّ في ثبوت المفهوم في النحو الأخير لعدم كون الشرط حينئذ محققا للموضوع.