والاستدلال بهذا النحو من الأخبار على أساس الملازمة بين حفظ الحديث ونقله للناس وتحمله وبين قبول الناس لهذا الحديث وعدم رده ، إذ لو لم يجب القبول لما كان هناك معنى للحث المذكور ولكان لغوا ، فلكي تكون هناك فائدة لهذا الحث يلزم أن يكون إخبارهم ونقلهم لهذه الأخبار حجّة على المنقول إليهم ، وهذا يعني حجيّة خبر الواحد.
وفيه : أنّ هذا اللسان لا يفيد الحجيّة التعبديّة ؛ وذلك لأنّ مجرّد الحث على التحمّل والحفظ والنقل للحديث ولو كان واجبا كفائيا فضلا عمّا إذا كان مستحبا ومن أفضل الأعمال ، إلا أنّه لا يدلّ على الحجيّة التعبديّة لخبر الواحد ، إذ قد يكون المراد من الحث المذكور هو أن تكثر الحملة والحفّاظ وبالتالي يكثر الرواة للحديث فيحصل العلم لدى المنقول إليه.
ولا معنى للقول بأنّ حثّهم على ذلك يتلازم مع وجوب قبول أخبارهم مطلقا حتّى إذا لم يستفد السامع منها العلم ، بل قد تكون حجّة في حالة إفادتها للعلم فقط ، ويكون الحث عليها من أجل الحفاظ على الملاكات الواقعيّة عند الشك والحيرة كما تقدّم توضيحه مفصّلا في حقيقة الحكم الظاهري.
ونظير هذه الطائفة ما ورد عنهم بلسان الثناء والمدح للرواة والمحدثين كقوله : « اللهمّ ارحم خلفائي... الذين يبلّغون حديثي وسنّتي... » ، وما ورد من الأمر بحفظ الكتب والترغيب في الكتابة كقوله : « احفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها ».
فإنّ الاستدلال بهذه الأخبار مستند إلى الملازمة بين ذلك وبين قبول إخباراتهم وكتبهم ووجوب العمل على طبقها ، سواء أفادت العلم أم لا ، إلا أنّنا ذكرنا أنّ هذه الملازمة غير تامّة.
الطائفة الثالثة : ما دلّ على الأمر بنقل بعض النكات والمضامين ، من قبيل قول أبي عبد الله عليهالسلام : « يا أبان ، إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث ».
والصحيح أنّ الأمر بالنقل يكفي في وجاهته احتمال تماميّة الحجّة بذلك بحصول الوثوق لدى السامعين ، ولا يتوقّف على افتراض الحجيّة التعبديّة.
الطائفة الثالثة : من الأخبار ما ورد بلسان الأمر بنقل الحديث وبعض المضامين والنكات ، من قبيل ما ورد من أمر الإمام الصادق عليهالسلام لأبان بن تغلب بأنّه