وبتعبير آخر : أنّ خبر الناقل إذا لم يكن حجّة على الآخرين وإنّما حجّة على نفسه فقط فهو يكون أفقه من المنقول إليه قطعا ، لأنّ المنقول إليه لن ينتفع من خبره إلا في حالات قليلة جدا ، وذلك إذا حصل له العلم من نقله فقط ، فكيف يكون أفقه منه؟! فهذا التعبير يساوق الحجيّة التعبديّة للخبر.
وفيه : أنّ هذا اللسان من الروايات ليس مفاده التعرض لإثبات الحجيّة للخبر أصلا ، أو أنّه متى يمكننا إثبات صدور الخبر عن المعصومين؟ وإلا لكان الراوي والناقل للخبر أفضل حالا دائما من السامع والمنقول إليه ، وذلك لأنّ الفقه الذي يحمله الناقل ثابت لديه وجدانا ، لأنّه سمعه من المعصوم بينما المنقول إليه هذا الفقه على القول بالحجيّة يكون ثابتا لديه تعبدا والحال أنّ الثبوت الوجداني أفضل دائما من الثبوت التعبّدي ، فيلزم أن يكون الناقل أفضل حالا من المنقول إليه دائما ، فكيف يقول الحديث : إنّ المنقول إليه قد يكون أفقه من الناقل؟!
والصحيح أنّ الحديث بصدد بيان مطلب آخر وهو أنّه بعد فرض ثبوت الصدور وأنّ هذا الفقه المنقول ثابت واقعا ، فحينئذ قد يكون المنقول إليه أفقه من الناقل في فهمه وإدراك معانيه وتوضيح مطالبه ومضامينه وأقدر على استيعابه منه ، لأنّ أفهام الناس تختلف بهذه الأمور كما هو واضح.
الطائفة الخامسة : ما دلّ على ذمّ الكذب عليهم والتحذير من الكذّابين عليهم ، فإنّه لو لم يكن خبر الواحد مقبولا لما كان هناك أثر للكذب ليستحق التحذير.
والصحيح أنّ الكذب كثيرا ما يوجب اقتناع السامع خطأ ، وإذا افترض في مجال العقائد وأصول الدين كفى في خطره مجرّد إيجاد الاحتمال والظن ، فاهتمام الأئمّة بالتحذير من الكاذب لا يتوقّف على افتراض الحجيّة التعبديّة.
الطائفة الخامسة من الأخبار : ما ورد بلسان ذمّ الكذب والكذّابين والوضّاعين الذين يختلقون الأحاديث من عندهم ، من قبيل قوله عليهالسلام : « من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار ».
وتقريب الاستدلال بها : أنّ خبر الواحد إذا لم يكن حجّة للسامع ويوجب تصديقه والعمل به لما كان هناك وجه للتحذير من الكذب فيه وذمّه ، وهذا معناه أنّ