ثمّ إنّ هذين الركنين يثبتان فيما إذا كان الخبر مباشرا عن المعصوم ، فإذا أخبرنا زرارة بأنّ الإمام حكم بوجوب السورة فهنا نتمسّك بدليل حجيّة خبر الثقة ؛ لأنّ الركن الأوّل وهو ثبوت الخبر محرز وجدانا ، لأنّ المفروض أنّ زرارة يخبرنا مباشرة ، فخبره ثابت لنا بالسماع منه مباشرة. هذا طبعا إنّما يتمّ في صورة المعاصرة.
والركن الثاني أيضا ثابت لأنّ مدلول ومفاد خبر زرارة عبارة عن أثر شرعي وهو وجوب السورة في المثال ، وعلى هذا نطبق دليل الحجيّة لأنّ موضوعه وشرطه ثابتان ، وبالتالي يثبت لنا تعبدا هذا الحكم الشرعي استنادا إلى دليل الحجيّة.
وأمّا إذا وصل إلينا خبر زرارة عن طريق نقله في كتب الأحاديث والأخبار ، كما لو أخبر شخص بأنّ زرارة أخبر بوجوب السورة ، وأنّ الإمام حكم بوجوبها ، فهنا هل يمكننا تطبيق دليل الحجيّة على هذا الخبر مع الواسطة أم لا؟
قد يتبادر إلى الذهن أنّنا نطبّق دليل الحجيّة في هذا الفرض أيضا ؛ وذلك لأنّنا إذا طبقنا دليل الحجيّة على الواسطة باعتباره ثابتا لنا بالوجدان ، فإنّ إخبار هذا الشخص ثابت في الفرض المذكور وهو خبر ثقة ، فنطبق عليه دليل حجيّة خبر الثقة ، وبذلك نحرز تعبدا مفاده ومدلوله ؛ وحيث إنّ مفاده هو أنّ زرارة يحكي أنّ الإمام قد أوجب السورة فيكون خبر زرارة ثابتا لدينا أيضا ، والمفروض وجود أثر شرعي لخبره فيتم كلا الركنين.
غاية الأمر أنّه يوجد فرق بين الفرضين ، وهو أنّه في الفرض الأوّل كان خبر زرارة ثابتا لنا وجدانا وله مدلول شرعي بينما في الفرض الثاني كان خبر زرارة ثابتا لدينا بالتعبد والمفروض أنّه ذو أثر شرعي أيضا.
ومجرّد كون ثبوت خبر زرارة وجدانيا في الأوّل وتعبديّا في الثاني لا يعتبر فرقا بين الصورتين ليكون مانعا من تطبيق دليل الحجيّة على الفرض الثاني دون الأوّل ، لأنّه في كلتا الحالتين يثبت لنا أنّ زرارة قد أخبر بوجوب السورة عن الإمام ، إما وجدانا وإما تعبدا ، والثبوت التعبّدي كالوجداني بناء على مسلك القوم في تفسير الحجيّة المجعولة شرعا.
ولا يخفى أنّ هذا التبادر صحيح لقيام السيرة على الأخذ بالخبر مع الواسطة سواء من المتشرّعة أو من العقلاء على مرأى ومسمع من المعصوم ، والحال أنّه سكت عن ذلك ولم يردع فيدل على حجيّة مثل هذا الخبر.