وأمّا الوجود الفعلي الخارجي للحجيّة فهو مرتبط بوجود الخبر في الخارج ، ولذلك يحصل التقدم والتأخر في ثبوت الحجيّة والخبر في الخارج ، ولا يلزم من ذلك أي محذور ، لأنّ الحجيّة الثابتة في الخارج غير الحجيّة التي لم تثبت بعد وليست نفسها ، ولذلك قال السيّد الشهيد :
وعليه فنقول : إنّه توجد في المقام حجيتان : الأولى حجيّة خبر الناقل عن زرارة ، والثانية حجيّة خبر زرارة.
وما هو الموضوع للحجيّة الثانية وهو خبر زرارة لم يثبت بالحجيّة الثانية بل بالحجيّة الأولى ، فلا يلزم المحذور المذكور في التقريب الأوّل ، كما أنّ الشرط المصحح للحجيّة الأولى وهو الأثر الشرعي يتمثل في الحجيّة الثانية لا في الحجيّة الأولى فلا يلزم المحذور المذكور في التقريب الثاني.
بيان رفع المحذورين : أنّ الخبر مع الواسطة معناه وجود خبرين : أحدهما خبر الناقل والآخر خبر زرارة ، ولكل من هذين الخبرين حجيّة مستقلّة عن حجيّة الآخر ، لما ذكرناه من أنّ الحجيّة تتعدّد في الخارج بتعدّد موضوعها أو شرطها. فللناقل حجيّة ولخبر زرارة حجيّة أيضا.
وحينئذ نقول : إنّ حجيّة خبر الناقل موضوعها خبر الناقل نفسه ، وحجيّة خبر زرارة موضوعها خبر زرارة لا حجيّة خبر الناقل ، وخبر زرارة الذي هو موضوع لحجيّة مستقلّة ثبت لدينا بحجيّة خبر الناقل لا بالحجيّة المجعولة له على تقدير ثبوته ؛ ولذلك لم يكن الحكم متحدا أو موجدا لموضوعه ، بل هما مختلفان ومتغايران ، فإنّ الحكم هو الحجيّة الأولى وما يوجد بها هو خبر زرارة وحكمه هو الحجيّة الثانية لا نفس الحجيّة الأولى.
وكذلك لم يكن الحكم متحدا مع شرطه وأثره لأنّ أثر الحجيّة الأولى هو التعبد بثبوت خبر زرارة الذي أثره الشرعي ثبوت الحجيّة له إلا أنّ هذا الأثر الشرعي هو الحجيّة الثانية المترتبة على خبر زرارة لا الحجيّة الأولى الثابتة لخبر الناقل ، فاختلف الأثران.
وبتعبير آخر : أنّ الحجيّة التي هي حكم إنّما هي حجيّة خبر الناقل ، والحجيّة التي هي أثر شرعي إنّما هي الحجيّة الثانية ، والموضوع الذي هو موضوع للحجيّة الأولى هو خبر الناقل ، بينما الموضوع للحجيّة الثانية هو خبر زرارة.