التصديقي باعتبارها ممّا ذكره في شخص كلامه ، ولا منافاة بين كون مراده الجدّي على طبق هذه القرينة المتّصلة وبين ظهور حاله في أنّ كل ما يريده فإنّه يذكره في شخص كلامه ، وذلك لأنّه ذكر أنّ مراده على طبق هذه القرينة المتّصلة فلا يكون مخالفا لظهور عرفي سياقي.
وأمّا القرينة المنفصلة فوجودها وعدمها لا يؤثّر على أصل انعقاد الظهور ، بمعنى أنّ الكلام إذا تمّ ولم يذكر المتكلّم قرينة على خلافه فينعقد مراده الجدّي على طبق ما ظهر من كلامه ويكون ظهور كلامه حجّة وكاشفا عن المراد الواقعي ، فإذا جاءت بعد ذلك قرينة منفصلة على خلاف هذا الظهور كانت معارضة له وبالتالي قد تتقدم عليه وفقا لقواعد الجمع العرفي ، فترتفع حجيّة الظهور من حين مجيء هذه القرينة المنفصلة لا من أوّل الأمر ، بمعنى أنّ استمرار حجيّة الظهور ينهدم ، وأمّا إذا لم تأت القرينة المنفصلة على الخلاف فيستمر الظهور على حجيّته.
وبهذا نعرف أنّ القرينة المنفصلة ليست مقوّمة لأصل الظهور وانعقاده ، وإنّما هي شرط في استمرار حجيّة الظهور وعدمه ، بخلاف القرينة المتّصلة فإنها مقوّمة لأصل انعقاد الظهور لأنّها تدخل في شخص كلام المتكلّم فتكون دخيلة في أصل الظهور التصديقي الذي هو موضوع الحجيّة.
ومن هنا يتّضح وجه الخلط في كلمات جملة من الأكابر الموهمة لوجود ثلاث رتب من الظهور كلّها سابقة على الحجيّة ، ككلام المحقّق النائيني رحمهالله ، وهي :
الأولى : مرتبة الظهور التصوّري.
الثانية : مرتبة الظهور التصديقي على نحو يسوّغ لنا التأكيد على أنّه قال كذا وفقا لهذا الظهور.
الثالثة : مرتبة الظهور التصديقي الكاشف عن مراده الواقعي على نحو يسوّغ لنا التأكيد على أنّه أراد كذا وفقا لهذه المرتبة من الظهور.
والأولى لا تتقوّم بعدم القرينة ، والثانية تتقوّم بعدم القرينة المتّصلة ، والثالثة تتقوّم بعدم القرينة مطلقا ولو منفصلة.
والحجيّة حكم مترتّب على المرتبة الثالثة من الظهور ، فمتى وردت القرينة المنفصلة ـ فضلا عن المتّصلة ـ هدمت المرتبة الثالثة من الظهور ورفعت بذلك موضوع الحجيّة.