إلا أنّ بعض كلمات الأعلام وقع فيها خلط بين الظهور والحجيّة ، كما حصل بالنسبة لكلام الميرزا حيث ذكر : أنّ هناك ثلاث مراتب من الظهور كلّها سابقة على الحجيّة ، والحجيّة مترّتبة عليها ، هي :
أوّلا : مرتبة الظهور التصوّري للكلام ، وهذه المرتبة لا تتقوّم بالقرينة مطلقا لا المتّصلة ولا المنفصلة ، كما ذكرنا لأنّها ناشئة من الوضع ، ولذلك فإنّ هذه المرتبة محفوظة دائما حتّى مع القرينة على الخلاف.
وثانيا : مرتبة الظهور التصديقي الكاشف عن أنّه أراد إخطار هذا المعنى في ذهنه وفي ذهن السامع ، أي الارادة الاستعمالية ، وهذه المرتبة متقوّمة بعدم القرينة المتّصلة على الخلاف ، بمعنى أنّه إذا لم يذكر القرينة المتّصلة على الخلاف دلّ ذلك على أنّه قد استعمل اللفظ في معناه الحقيقي الموضوع له تصوّرا ووضعا ، وإذا ذكر القرينة المتّصلة اختل هذا الظهور وانعقد للكلام ظهور آخر في أنّه أراد استعمال اللفظ في غير المعنى الذي وضع له على سبيل المجاز لا الحقيقة.
وثالثا : مرتبة الظهور التصديقي الكاشف عن مراده الجدّي الواقعي على نحو يمكننا التأكيد بأنّه أراد واقعا وجدّا هذا المعنى الذي ظهر من كلامه ، وهذا ـ باعتقاد الميرزا ـ متوقف على عدم ذكر القرينة مطلقا المتّصلة والمنفصلة ، خلافا لما اخترناه من أنّه متوقف على عدم القرينة المتّصلة فقط.
وعلى مبناه فإذا جاءت القرينة المنفصلة على الخلاف دلّت على عدم انعقاد ظهور كلامه في معناه الذي ظهر منه في أوّل الأمر ، فتكون رافعة وهادمة لأصل الظهور التصديقي الذي هو موضوع حجيّة الظهور ، وهذا يعني أنّ حجيّة الظهور متوقفة على عدم ذكر القرينة المنفصلة فضلا عن المتّصلة.
والحاصل : أنّ القرينة المنفصلة ـ على مبنى الميرزا ـ تهدم أصل الظهور من أوّل الأمر لا أنّها تهدم استمرار حجيّة الظهور فقط ، وهذا الكلام منه خلط بين الظهور وبين الحجيّة ، فإنّه جعل الظهور متوقفا على عدم ذكر القرينة المنفصلة ، بينما الصحيح هو أنّ الحجيّة هي التي تتوقّف على عدم ذكر القرينة المنفصلة لا الظهور ، فإنّه متوقف على عدم ذكر القرينة المتّصلة على الخلاف.
ولتوضيح ذلك نقول :