فيثبت بالعامّ بعد التخصيص وجوب الإكرام لكلّ فقير منوطا بعدم ارتكاب الكبيرة ، وهذا الوجوب المنوط نثبته في مرتكب الصغيرة بلا محذور أصلا.
ويسمّى ذلك بالتمسّك بالعامّ في الشبهة المفهوميّة للمخصّص.
والجواب أن يقال : إنّ دليل العامّ ( أكرم كلّ فقير ) مفاده إثبات وجوب الإكرام للفقير من دون دخالة عنوان آخر أو قيد آخر فيه ، ولكن بعد ورود المخصّص : ( لا تكرم فسّاق الفقراء ) يكون دخالة ( عدم الفسق ) قيدا في موضوع حكم العامّ. وهذه هي النتيجة الطبيعيّة للتخصيص ؛ لأنّه بعد تحكيم الخاصّ يصبح العامّ مقيّدا في غير المورد الذي دلّ عليه الخاصّ ، وحيث إنّ الخاصّ هنا دلّ على إخراج الفقير الفاسق فيكون العامّ مختصّا بالفقير غير الفاسق لا محالة.
ولكن تقدّم في المقدّمة أنّ التسمية اللفظيّة ( بعدم الفاسق ) ليست دخيلة في موضوع الحكم ؛ لأنّ التسمية اللفظيّة لا تحكي عن أيّ مضمون فهي خالية من المحتوى وليست إلا مجرّد لفظ.
يبقى لدينا عنوانان أحدهما مرتكب الكبيرة والآخر مرتكب الصغيرة.
والأوّل تقدّم في المقدّمة أنّنا نقطع بدخوله في الخاصّ ؛ لأنّه القدر المتيقّن على كلّ حال ، فيكون عدمه قيدا دخيلا في موضوع حكم العامّ ، ولذلك يتقيّد العامّ جزما ( بالفقير الذي لم يرتكب الكبيرة ).
وأمّا العنوان الثاني وهو مرتكب الصغيرة فقد تقدّم في المقدّمة أنّه مشكوك كونه دخيلا في الخاصّ ، ممّا يعني الشكّ في كون عدمه قيدا دخيلا في موضوع حكم العامّ ؛ وذلك للشكّ في دلالة المخصّص عليه.
وهذا معناه أنّ الفقير المذنب بالذنب الصغير مشمول لحكم العامّ لانطباقه عليه ؛ لأنّه فقير لم يرتكب الكبيرة ، وأمّا انطباق الخاصّ عليه فهو مشكوك للشكّ في دلالة الخاصّ على الأقلّ أو على الأكثر ، وهذا يحقّق لدينا دلالة محرزة ودلالة مشكوكة ، والدلالة المحرزة هي دلالة العامّ فلا نرفع اليد عنها بدلالة الخاصّ المشكوكة.
وبهذا يظهر إمكان التمسّك بالعامّ في الشبهة المفهوميّة ؛ لأنّنا نثبت الحكم المنوط بعدم ارتكاب الكبيرة في مرتكب الصغيرة بلا أيّ مانع ولا محذور أصلا.
* * *