ولكن لو لاحظنا أصالة الطهارة والتي هي أصل سببي يتقدّم على الأصل المسبّبي ، لوجدنا أنّ مفاد دليلها ليس إلا التعبّد بطهارة الماء فقط من دون أن يكون فيها إحراز تعبّدي أو كاشفيّة وطريقيّة عن الواقع ؛ لأنّ أصالة الطهارة دليلها مثل قوله عليهالسلام : « كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » وهذا لا يثبت أكثر من إثبات الطهارة الظاهريّة ؛ لأنّها مقيّدة بالعلم على الخلاف.
بينما لو لاحظنا الاستصحاب في طرف الثوب لوجدنا أنّه أصل مسبّبي ، ولكنّه يحرز لنا الواقع تعبّدا ؛ لأنّ مفاد دليل الاستصحاب هو التعبّد ببقاء اليقين ، أي الكاشفيّة والطريقية والإحراز الواقعي ، ممّا يعني أنّه يثبت العلم.
فكان اللازم ـ بناء على الحكومة ـ أن يكون الأصل المسبّبي هنا هو الحاكم على الأصل السببي ؛ لأنّ الاستصحاب لمّا كان يثبت العلم ويتعبّد ببقائه فيرتفع به موضوع أصالة الطهارة ؛ لأنّ العلم قد أخذ غاية فيها ، مع أنّ البناء الفقهي هو على تقديم الأصل السببي دائما حتّى لو كان مثل أصالة الطهارة وحكومته على الأصل المسبّبي حتّى لو كان مثل الاستصحاب.
إذا فالقول بالحكومة يفترض عدم التقديم هنا مع أنّ التقديم ثابت ، وهذا نقض واضح على الحكومة.
وهذا معناه أنّ نكتة التقديم ليست هي الحكومة وإنّما هي شيء آخر ، ولذلك قال السيّد الشهيد :
وهذا يكشف عن أنّ نكتة تقدّم الأصل السببي على المسبّبي لا تكمن في إلغاء الشكّ ، بل في كونه يعالج موضوع الحكم ، فكأنّه يحلّ المشكلة في مرتبة أسبق على نحو لا يبقى مجال للحلّ في مرتبة متأخّرة عرفا ، وهذا يعني أنّ السببيّة باللحاظ المذكور نكتة عرفيّة تقتضي بنفسها التقديم في مقام الجمع بين دليلي الأصلين السببي والمسبّبي.
والصحيح في وجه تقديم الأصل السببي على المسبّبي : هو أنّ السببيّة تعتبر عرفا ملاكا للتقديم كالأخصّيّة والنصّيّة والتقييد والأظهريّة ، فهي من جملة أنواع القرينيّة النوعيّة.
وبيان ذلك : أنّ الأصل السببي لمّا كان متقدّما على الأصل المسبّبي حتّى فيما إذا