ليست واردة في مقام البيان والتفهيم من هذه الناحية ، أي أنّها ليست بصدد إثبات حجّيّة الخبر المخالف ليتمسّك بإطلاقها لجميع أقسام المخالفة ، وإنّما هي بصدد علاج التعارض بين الخبرين.
ونحن قد استفدنا حجّيّة الخبر المخالف منها على أساس الدلالة الالتزامية العقليّة ؛ لأنّ فرض التعارض بين الخبرين وعلاجهما فرع التسليم بحجّيّتهما أي بوجود مقتضي الحجّيّة فيهما مسبقا ، وإلا لسقطا بنفسيهما في رتبة سابقة عن المعارضة.
ولذلك قلنا بحجّيّة الخبر المخالف في نفسه بالدلالة الالتزاميّة العقليّة ، ولمّا كانت الدلالة الالتزاميّة دليلا لبّيّا فيقتصر فيها على القدر المتيقّن ، وهو هنا المخالفة بنحو التخصيص والتقييد ونحوهما لا أكثر ؛ لأنّ الخبر المخالف إذا كان حجّة فهو حجّة إذا كان بهذا النحو ، وإذا فرض أنّ الحجّيّة تسلب عنه فهي تسلب في غير هذا المورد.
وحينئذ تكون رواية عبد الرحمن مختصّة بالخبر المخالف للكتاب بنحو موارد القرينيّة لا أكثر ، وحينئذ تكون النسبة بينها وبين روايات المجموعة الثالثة هي العموم والخصوص المطلق ؛ لأنّ تلك الروايات مطلقة لجميع أقسام الخبر المخالف ، ولذلك يجمع بينهما جمعا عرفيّا بتقدّم الخاصّ على العامّ أو المقيّد على المطلق ، وبه تخرج المخالفة بنحو موارد القرينيّة عن إطلاق تلك الروايات النافية للحجّيّة.
وبهذا ينتهي الكلام عن روايات العرض على الكتاب بمجموعاتها الثلاث ، وقد تبيّن منها أنّ الخبر المخالف للكتاب إذا كانت مخالفته بنحو التباين أو العموم من وجه يسقط عن الحجّيّة ، وأمّا إذا كانت مخالفته بنحو التقييد والتخصيص والحكومة ونحو ذلك من أنواع القرينيّة فيكون حجّة في نفسه ويتقدّم على عموم وإطلاق الدليل القرآني للقرينيّة.
وأمّا اشتراط أن يكون هناك شاهد قرآني على الخبر فهو غير تامّ وليس ملاكا للحجّيّة ، بل تكفي الموافقة للكتاب بمعنى عدم المخالفة بنحو التباين والعموم من وجه ، أو الموافقة بمعنى الموافقة لروح ومذاق القرآن.
* * *