الإثبات اعتباريّا وجعليّا ؛ لأنّه وارد من الشارع فالادّعاء موجود في عالم التعبّد لا في عالم الوجود الخارجي التكويني.
ولا تنافي بين هذين الدليلين لا في عالم الجعل والتشريع ؛ لأنّه يمكن جعلهما وتشريعهما معا من دون أيّة منافاة أو تكاذب وتمانع بينهما ، ولا في عالم الفعليّة والمجعول ؛ لأنّهما معا مثبتان ، ولا تنافي بين الحكمين والمجعولين فيهما ولا في عالم الامتثال ؛ لأنّه يمكنه إكرام العالم ويمكنه إكرام التقي أيضا.
ومثاله أيضا : دليل حجيّة الأمارات فإنّه يعتبر واردا على دليل جواز الإفتاء بما هو حجّة ؛ لأنّه يوجد فردا حقيقيّا من أفراد الحجّيّة.
وأمّا الورود النافي والرافع لموضوع الدليل المورود ، فإنّه لا تنافي بينهما بلحاظ الجعل والتشريع بل يمكن جعلهما معا ، وإن كان هناك تناف بينهما ؛ لأنّ أحدهما يثبت الحكم لهذا الفرد والآخر ينفيه عنه ؛ وذلك لأنّ هذا التنافي لن يؤدّي إلى التعبّد بالمتنافيين ؛ لأنّ الدليلين الوارد والمورود وإن كان كلّ واحد منهما حجّة في نفسه إلا أنّهما لن يكونا فعليّين معا ؛ لأنّ الدليل الوارد دائما يرفع موضوع الدليل المورود ومع ارتفاع موضوعه لا يكون الحكم فيه فعليّا ، بل هو منتف لانتفاء موضوعه ، فليس هناك إلا حكم واحد في عالم الفعليّة والمجعول.
ومثاله ما إذا قيل : ( أكرم العالم ) ، ثمّ ورد دليل آخر يقول : ( العاصي ليس بعالم ) ، فإنّه في الدليل الأوّل كان الحكم منصبّا على كلّ أفراد العالم من دون تفصيل بينها ، فكلّ فرد من أفراد العالم يجب إكرامه ، بينما الدليل الثاني يخرج العاصي العالم حقيقة عن كونه عالما بالتعبّد ، فهو إخراج حقيقي لهذا الفرد ولكن لسان هذا الإخراج ومنشؤه هو عالم التعبّد والاعتبار ، لا الواقع الخارجي ؛ لأنّه في الواقع الخارجي فرد من أفراد العالم ، ولكنّه أخرج عن فرديّته حقيقة بنحو من الاعتبار والتعبّد ، فكأنّه قال : ( اعتبر العاصي ليس بعالم أي اجعله غير عالم ) ، وهذه القضيّة حقيقيّة في عالم الجعل والاعتبار ، فالإخراج حقيقي ولكن في عالم الجعل.
وعليه ، فسوف يكون الدليل الوارد متقدّما على الدليل المورود حتما ؛ لأنّه يرفع موضوعه بلحاظ هذا الفرد ، فلا يكون حكم الدليل المورود فعليّا فيه ، وإنّما الحكم الفعلي هو ما يدلّ عليه الدليل الوارد.