بمعنى الجري العملي على طبق إحدى الروايتين فيكون مخيّرا بين العمل بهذا أو بذاك ، ولا يمكنه إسناده للشارع لعدم العلم به لا واقعا ولا تعبّدا.
والفرق بين النحوين من التخيير هو أنّ التخيير الأصولي في الحجّيّة لا بدّ للمكلّف من الالتزام بمضمون أحد الخبرين فيه فيكون ما التزم به من الخبرين هو الحجّة دون الآخر ، ولذلك يمكنه أن يسند مؤدّى الخبر إلى الشارع باعتباره هو الحجّة الذي تعيّن عليه بعد اختياره له.
بينما التخيير الفقهي في مقام العمل بأحد الحكمين المستفادين من الخبرين لا بدّ للمكلّف من الالتزام بالحكم الذي هو مؤدّى الخبر باعتباره هو الحكم الذي يريد أن يجري عمليّا على طبقه.
وعليه فالفقيه هو الذي يختار أحد الخبرين ؛ لأنّ اختيار إحدى الحجّتين من شئون المجتهد لا المقلّد ، فيختار أحد الخبرين ويفتي المقلّد على أساسه ، وحينئذ يكون متعيّنا على المقلّد العمل على طبق ما اختاره المجتهد ، بينما التخيير في مقام العمل يكون اختيار أحد الحكمين بيد المقلّد ولا يجب على المجتهد تعيين أحد الحكمين على المقلّد ؛ لأنّ رجوع المقلّد إلى المجتهد إنّما هو في إخباره عن علم واجتهاد وهذا ليس ثابتا في المقام ؛ لأنّ اختيار المجتهد لأحد الحكمين ليس نتيجة العلم والاجتهاد وإنّما هو لمحض اختياره الشخصي ، وحينئذ لا فرق بين المجتهد والمقلّد في ذلك.
والحاصل : أنّ المجتهد في التخيير الأصولي يفتي بمضمون الخبر الذي اختار حجّيّته ويجب على المكلّف العمل به ، بينما في التخيير الفقهي يفتي المجتهد بالتخيير بين الحكمين ولا يعيّن أحدهما ، وإنّما المكلّف هو الذي يختار أحدهما في مقام العمل ، ولذلك فقد يتّفق مع ما اختاره المجتهد وقد يختلف.
وأمّا تحقيق الحال في ذلك فنحن في غنى عنه ؛ لأنّنا ننكر استفادة التخيير أصلا ، فلا موضوع للبحث على مختارنا.
الثانية : أنّ هؤلاء اختلفوا أيضا في أنّ التخيير ابتدائي أو استمراري ، بمعنى أنّ المكلّف بعد اختيار أحد الخبرين التزاما أو عملا هل يجوز له أن يعدل إلى اختيار الآخر أو لا؟