والصحيح أن يقال : إنّ روايات العلاج بنفسها تتضمّن قرينة تدلّ على عدم شمولها لحالات الجمع العرفي ، فإنّ الرواية الأولى من روايات الترجيح قد افترضت فيها حجّيّة الخبر المخالف للكتاب في نفسه وبقطع النظر عن معارضته بحديث آخر ، ولذلك صار الإمام بصدد علاج التعارض بين خبرين متعارضين أحدهما مخالف مع الكتاب والآخر موافق معه ، فتدلّ على أنّ الخبر المخالف للكتاب الكريم لو لم يكن له معارض لكان حجّة في نفسه ، وهذا يعني أنّ المعارضة الملحوظة بين الخبرين غير المخالفة المفترضة بين الخبر والآية ، وليس ذلك إلا لأنّ تلك المعارضة من التعارض المستقرّ وتلك المخالفة من التعارض غير المستقرّ.
والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ روايات العلاج فيها قرينة تدلّ على عدم شمولها لموارد الجمع العرفي ولا تحتاج إلى إثبات القرينة من الخارج كما هو الجواب السابق.
وهذه القرينة الداخليّة يمكن توضيحها بالبيان التالي : أنّنا إذا لاحظنا رواية الراوندي المتقدّمة وهي ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام حيث قال : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما
__________________
... الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليهالسلام قال : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه ، وقد تقدّمت في أوّل روايات الترجيح.
وهذه الرواية قد افترضت الترجيح والعلاج ابتداء من الإمام ممّا يعني أنّه لم يؤخذ في موضوعها التحيّر والتردّد ، وإطلاقها تامّ ولا مقيّد له.
مضافا إلى أنّه يحتمل أن يكون الرواة في تلك الروايات قد سألوا عن حكم الشارع في التعارض بين الدليلين اللذين بينهما جمع عرفي ولو من جهة احتمالهم أن يكون للشارع طريقة في التعارض خاصّة مغايرة لما عليه البناء العقلائي ، خصوصا مثل زرارة وغيره من الرواة الفقهاء اللذين يحتمل في حقّهم مثل ذلك ومع وجود هذا الاحتمال يكون دخول موارد الجمع العرفي في موضوع الأخبار العلاجيّة وجيها أيضا وإن لم يكن فيها تردّد وحيرة ؛ لأنّ السؤال ليس من أجل رفع ذلك بل من أجل معرفة أنّ الشارع هل له مسلك خاصّ في موارد التعارض أم لا؟ فيكون الجواب بالعلاج سواء الترجيح أم التخيير شاملا لكلّ موارد التعارض.