وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ... » ، فإنّنا نجد فيها أنّها قد افترضت حجّيّة الخبر المخالف للكتاب في نفسه لو لا معارضته مع الخبر الآخر ، ولذلك صار الإمام بصدد علاج التعارض بين الخبرين بالموافقة للكتاب أو المخالفة للعامّة ، فإنّ هذا العلاج منه عليهالسلام قرينة على أنّ الخبر المخالف للكتاب حجّة في نفسه ؛ إذ لو لم يكن حجّة في نفسه لم يكن هناك أيّ معنى ولا موضوعيّة للعلاج الذي ذكره الإمام ، بل كانت القضيّة تأخذ نحوا آخر ، وذلك بأن يقول عليهالسلام : إنّ الخبر المخالف للكتاب ليس حجّة في نفسه سواء كان له معارض أم لا ، وهذا نفس المضمون الذي تحدّثت عنه أخبار الطرح والعرض على الكتاب التي جاء فيها أنّ الخبر المخالف للكتاب زخرف وباطل ولم يصدر منهم.
وحينئذ فنحن أمام مخالفتين للكتاب : إحداهما توجب طرح الخبر وإسقاطه عن الحجّيّة رأسا ، والأخرى لا توجب ذلك بل يبقى الخبر المخالف للكتاب حجّة في نفسه لو لا وجود الخبر المعارض له ، ولذلك تكون المعارضة بين الخبرين غير المخالفة للكتاب ، بمعنى أنّ الخبر الذي له معارض وفي نفس الوقت هو مخالف للكتاب بنحو لا يسقط عن الحجّيّة بسبب المخالفة ولكنّه يسقط عن الحجّيّة بلحاظ المعارضة.
وهذا يفترض أن تكون معارضته للخبر الآخر بنحو يختلف عن مخالفته للكتاب ، ولا وجه لهذا الاختلاف أو المغايرة إلا بأن تكون مخالفته للكتاب بنحو يوجب الجمع العرفي بينهما ، ولذلك لا يسقط عن الحجّيّة ، بينما معارضته للخبر الآخر بنحو توجب سقوطه عن الحجّيّة مع معارضته ، وهذا يكون فيما إذا كانت النسبة بينهما التباين الكلّي أو العموم من وجه في مادّة الاجتماع أي التعارض المستقرّ خاصّة.
وبهذا يظهر أنّ روايات العلاج تتضمّن افتراض حجّيّة الخبر المخالف للكتاب بنحو الجمع العرفي والتعارض المستقرّ ، وبذلك يكون خارجا عن موضوع أخبار العلاج ؛ لأنّها عالجت التعارض بين الخبر المخالف للكتاب بهذا النحو من المعارضة مع الخبر الآخر المعارض له بنحو مستقرّ.
مضافا إلى أنّ البناء العقلائي القائم على إخراج موارد الجمع العرفي من التعارض حجّة في نفسه بمعنى أنّ مقتضى الحجّيّة موجود فيه إلا إذا ثبت الردع عنه ، والردع