تصديقيّة فلا بدّ فيه من النظر إلى حال المتكلّم ، وأنّه أراد استعمال الكلمة ( الأسد ) على طبق معناها الحقيقي أم لا؟ وهذا يرتبط بذكر ما يكون صارفا لهذه الدلالة في الكلام وحيث إنّه ذكر القرينة الصارفة وهي ( يرمي ) فيكون مراده الاستعمالي هو الأسد المجازي أي الرجل الشجاع ، ومن هنا كانت القرينة المتّصلة صارفة للظهور الاستعمالي والمدلول التصديقي الأوّل ومانعة من انعقاده على طبق المدلول التصوّري.
الثالثة : مرحلة المدلول الجدّي أو الدلالة التصديقيّة الثانية ، وهذا ينعقد على وفق المدلول الاستعمالي ، وهو هنا الرجل الشجاع فيكون المراد الجدّي للمتكلّم هو الرجل الشجاع لا الحيوان المفترس.
وحجّيّة الظهور تنعقد على أساس المراد الجدّي للمتكلّم ، وهو هنا الرجل الشجاع أي على طبق القرينة ولا يحصل أيّ تعارض ؛ لعدم وجود إرادتين مختلفتين ، وإنّما هناك إرادة واحدة فقط.
وأخرى تكون القرينة منفصلة كما إذا قال : ( رأيت أسدا ) ثمّ عقّب ذلك بعد فترة بقوله : ( يرمي قوسا ) ، فهنا ينعقد للكلام الأوّل ظهور تصوّري واستعمالي وإرادة جدّيّة في الحيوان المفترس ، وبتطبيق حجّيّة الظهور عليه يكون ظهور كلامه الأوّل في الحيوان المفترس حجّة ، إلا أنّه لمّا جاء الكلام الثاني كان هناك تعارض بين حجّيّة الظهور الأوّل في الحيوان المفترس وبين ظهور الكلام الثاني في إرادة الرجل الشجاع ، وحينئذ يقدّم الدليل الثاني ؛ لكونه قرينة عرفيّة مفسّرة للمراد الجدّي النهائي ، وبهذا التقديم سوف ترتفع حجّيّة الظهور عن الظهور الأوّل وتنعقد على طبق الظهور الثاني.
وبهذا يكون الكلام المنفصل الذي فيه القرينة المفسّرة رافعا لحجّيّة ظهور الكلام الأوّل وليس مانعا من أصل انعقاد الظهور في نفسه ؛ لأنّ الظهور ينعقد على طبق المدلولين التصوّري والتصديقي الأوّل ؛ لأنّه لم ينصب فيه قرينة على الخلاف ، وإنّما القرينة المخالفة جاءت منفصلة عن الظهور فهي تعارض حجّيّته فقط. وهذا تقدّم سابقا في بحث حجّيّة الظهور.
وبهذا يتّضح لنا معنى الجمع العرفي بشكل مجمل ومختصر ، وأمّا التفصيل فهو ضمن البحوث الآتية.