موجودة ؛ لأنّ الخاصّ مخالف للعامّ تصوّرا ومصداقا والمفروض أنّ الحكم واحد فيهما.
وإن كانا منفصلين كما إذا قيل : ( أكرم كلّ عالم ) ، ثمّ قيل : ( أكرم العالم العادل ) فكذلك يتقدّم الخاصّ ؛ لأنّه كان على تقدير اتّصاله هادما لظهور العامّ فيكون على تقدير انفصاله رافعا لحجّيّته.
وأمّا القسم الثالث : فتارة يكون النفي أو النهي للإرشاد وأخرى تكليفيّا.
فإن كان إرشادا فهذا معناه أنّ الحكم واحد وله امتثال واحد ، ولكن هذا الامتثال لا يتحقّق بمورد الخاصّ ولذلك أرشد إلى مانعيّته ، فكأنّه قال : ( أكرم كلّ عالم إلا العالم النحوي ) أو ( أكرم كلّ عالم وهذا مختصّ بغير النحوي ).
وإن كان تكليفيّا فهذا معناه وجود حكمين متخالفين ، فيقع التعارض بينهما في مورد الخاصّ ؛ لأنّ أحدهما يثبت الحكم له بلحاظ عمومه وشموله له ، والآخر ينفيه عنه ، وهنا يقدّم دليل الخاصّ أيضا للقرينيّة النوعيّة ؛ لأنّه على تقدير اتّصاله يكون هادما لظهور العامّ فيكون في حالة انفصاله رافعا لحجّيّته.
وعلى أيّة حال فلا خلاف في تقدّم الخاصّ على العامّ عند وقوع المعارضة بينهما ، فإن كان الخاصّ متّصلا لم يسمح بانعقاد ظهور تصديقيّ للعامّ في العموم ، وإن كان منفصلا اعتبر قرينة على تخصيصه ، فيخرج ظهور العامّ عن موضوع دليل الحجّيّة ؛ لوجود قرينة على خلافه ، وهذا على العموم ممّا لا خلاف فيه.
وإنّما الخلاف في نقطة : وهي أنّ قرينيّة الخاصّ على التخصيص هل هي بملاك الأخصّيّة مباشرة ، أو بملاك أنّه أقوى الدليلين ظهورا؟ فإنّ ظهور الخاصّ في الشمول لمورده أقوى دائما من ظهور العامّ في الشمول له.
والحاصل ممّا تقدّم : أنّ دليل الخاصّ يتقدّم على دليل العامّ عند وقوع المعارضة بينهما ، بحيث يتمّ الجمع العرفي بينهما على أساس القرينيّة النوعيّة ، ولكن يختلف الأمر بين كون الخاصّ متّصلا بالعامّ أو كونه منفصلا عنه.
فإن كان الخاصّ متّصلا بدليل العامّ فيكون رافعا وهادما لأصل ظهور العامّ في العموم على مستوى المدلول التصديقي لا التصوّري ؛ وذلك لأنّ المدلول التصوّري لدليل العامّ هو العموم والشمول ؛ لأنّه مدلول للأداة الموضوعة لغة للاستيعاب لكلّ ما يصلح أن ينطبق عليه المفهوم.