ثم إن ابن أبي الحديد (١) في شرح الخطبة الشقشقية تصدى للاعتذار عن قول عمر ، فقال : قد كان في أخلاق عمر (٢) فظاظة وعنجهية (٣) ظاهرة بحسب السامع لكلماته إن أراد (٤) بها ما لم يكن قد أراد ، ويتوهم من يحكى له أنه قصد بها ما لم يقصده ، فمنها : الكلمة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها ، ولكنه أرسلها على (٥) مقتضى خشونة غريزية (٦) ولم يتحفظ منها ، وكان الأحسن أن يقول : مغمور أو مغلوب بالمرض ، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك ، ولجفاة الأعراب من هذا الفن كثير ، سمع سليمان بن عبد الملك (٧) أعرابيا يقول في سنة قحط :
رب العباد ما لنا وما لكا |
قد كنت تستقينا (٨) فما بدا لكا |
|
أنزل علينا القطر لا أبا لكا |
فقال سليمان : أشهد أنه لا أب له ولا صاحبة ولا ولد ، فأخرجه أحسن مخرج (٩)
وعلى نحو هذا يحمل (١٠) كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي صلىاللهعليهوآله : ألم تقل لنا ستدخلونها ..؟ في ألفاظ نكره حكايتها ، حتى شكاه النبي صلى
__________________
(١) في شرحه على نهج البلاغة ١ ـ ١٨٣ بتصرف.
(٢) في المصدر : في أخلاق عمر وألفاظه جفاء ..
(٣) جاء في حاشية ( ك ) : قال الفراء : يقال فلان فيه عنجهية ، وعنجهانية .. وهي الكبر والعظمة ، ويقال : العنجهية : الجهل والحمق. صحاح.
انظر الصحاح ٦ ـ ٢٢٣٩ ، وفيه : ذو ، بدلا من : فيه.
(٤) في شرح النهج : يحسبه السامع لها أنه أراد.
(٥) في ( ك ) : إلى.
(٦) في المصدر : غريزته.
(٧) في شرح النهج : عبد الله.
(٨) لا توجد في (س) : تسقينا ، ولا يتم المعنى إلا بها.
(٩) إلى هنا جاء الخبر في الكامل لابن الأثير ٧ ـ ١٤٥ ـ بشرح المرصفي ـ.
(١٠) في المصدر : يحتمل.