يلزمها لهما غير خفيّ على المتأمّل.
وما ذكر من أنّ فعل المكلّف ليس إلا الأشخاص ممنوع ، بل فعله إنّما هي نفس الطبيعة ، والأشخاص ليست إلاّ وجوداتها ، وبعبارة أخرى : إنّ الأشخاص عين صدور الطبيعة من المكلّف.
ولو سلّمنا نقول : إنّه لا يجب أن تكون الأحكام متعلّقة بفعل المكلّف ، بل يجب تعلّقها بما يكون مقدورا ، ومن المعلوم ثبوت قدرته على الطبائع باعتبار تمكّنه ممّا يحصّلها وهي الأفراد.
والحاصل : أنّ متعلّق الأحكام إنّما هي الطبائع من الحيثية التي هي بها منشأ للآثار ، وهي حيثية وجودها الخارجي الّذي هو عين الأفراد ، وذوات الأفراد خارجة عن موضوعها ، وحيثيتها مأخوذة فيه ، وذلك لأنّ حال الشارع في المقام (١) حال أحد منّا ، والّذي نجده من أنفسنا في مقام الحكم والطلب أنّا لا نلاحظ الأفراد من حيث هي حينئذ بوجه ، بل نجد الّذي نطلبه أو نطلب تركه أو نبيحه أمرا وحدانيا ، وهو نفس الطبيعة ، ولو كان هو الأفراد لوجدناه (٢) متعدّدا.
وإن قيل : سلّمنا أنّ الأمر والنهي يتبعان المصلحة والمفسدة دون المدح والذمّ ، وأنّ المصلحة والمفسدة قائمتان بالعنوانين المتغايرين في الذهن ، لكن مجرّد تعدّد موضوعهما وتغايرهما في الذهن لا يجدي في جواز اجتماع الحكمين في مورد اجتماعهما ، إذ بعد فرض تصادفهما فيه تجتمع فيه المصلحة والمفسدة الثابتتان لذينك العنوانين ، فحينئذ إن كانت إحداهما أقوى من الأخرى فالحكم الفعلي يستتبع تلك الأقوى ولا تؤثّر الأخرى حينئذ في الحكم الّذي تقتضيه لو لا مزاحمتها بأقوى منها ، فيكون الحال فيه كما في صورة اجتماع عنوان الكذب الّذي
__________________
(١) في الأصل : مقام.
(٢) في الأصل : لنجده.