لك أنه لا تعارض بين الأدلة الاجتهادية الكاشفة عن الأحكام الواقعية وبين الأصول العملية المقتضية لخلاف مؤداها.
ثم إن كل دليلين غير متعارضين إن لم يكن الحكم المدلول عليه بأحدهما مترتبا على الجهل بالحكم المدلول عليه بالآخر ، فالمكلف مكلف في جميع الحالات بالعمل بمؤدى كليهما وإلا ـ بأن يكون الجهل بأحد الحكمين مأخوذا في الموضوع الآخر ـ فالمكلف لا يكلف في شيء من الحالات إلا بالعمل بمقتضى أحدهما الّذي علم به ، فإنه حينئذ :
إن كان جاهلا بكليهما معا ، فهو غير مكلف بشيء منهما ، بل له حكم ثالث.
وإن كان عالما بأحدهما : فإن كان ذلك هو الحكم الّذي قد أخذ الجهل به موضوعا للحكم الآخر ، فلا يبقى مورد للآخر حينئذ أصلا لارتفاع موضوعه بالعلم ، وفي حكمه ما إذا دل دليل غير علمي معتبر على ثبوتا ذلك الحكم فإنه وإن كان لا يرفع موضوع الحكم الآخر ، إلا أنه رافع له من باب حكومة دليل اعتباره على الدليل المثبت لذلك الحكم الآخر.
وإن كان هو الحكم الّذي قد أخذ في موضوعه الجهل فهو معذور في الحكم الاخر وغير مكلف به حينئذ أصلا.
ومن هنا ظهر أن وجه ورود الأدلة على الأصول إن كانت علمية ، أو حكومتها عليها إن كانت ظنية ، إنما هو أخذ الجهل بالأحكام الواقعية ـ التي هي مؤديات الأدلة ـ في موضوع الأصول ، فيكون ورودها أو حكومتها عليها مترتبا على ذلك.
وظاهر كلام المصنف ( قده ) ـ حيث إنه بعد بيان عدم المنافاة بين الأحكام