الشك في الصدور وإبداء الفارق بين المقيس والمقيس عليه (١).
وتوضيح ما أراده من الفرق : أن الأمر في الخبرين المتعارضين يدور بين أمور أربعة :
أحدها : البناء على صدور كليهما ، والأخذ بظاهر كل منهما.
ثانيها : البناء على عدم صدور شيء منهما.
وثالثها : البناء على صدور أحدهما المعين ، والأخذ بظاهره ، وطرح الآخر رأسا.
ورابعها : البناء على صدور كليهما ، والتصرف في ظاهريهما.
والشك في أحد تلك الأمور غير مسبب عن شيء من البواقي (٢) ، حتى يكون النافي له نافيا ومزيلا للآخر.
بل لو قام دليل على نفى أحدها فغاية ما يترتب عليه [ هو ] انحصار الاحتمال في البواقي ، فلو فرض قيام دليل على نفي أحدها ينحصر الاحتمال في الثلاثة ، ولو فرض قيامه على نفي اثنين ينحصر في اثنين ، ولو فرض قيامه على نفي ثلاثة منها يتعين الأخذ بالواحد الباقي من باب أن انتفاء أحد طرفي المنفصلة المانعة الخلو مستلزم لثبوت الطرف الآخر.
ولما كان الأمران الأولان غير محتملين في المقيس والمقيس عليه كليهما ـ أما أولهما فلعدم إمكانه عقلا ، وإلا لم يكونا متعارضين ، وأما ثانيهما فلعدم إمكانه شرعا ، نظرا إلى قيام الإجماع وتواتر الأخبار العلاجية بحجية أحدهما ـ فيبنى على عدمهما في كل منهما.
__________________
(١) المقيس هو الخبران المعتبران سندا ، والمقيس عليه هو الخبران المقطوع بصدورهما.
(٢) فواعل جمع فاعلة ، وكل واحد من الأمور الثلاثة الباقية يوصف بالباقي ، لا بالباقية ، فلا توصف الأمور بالبواقي ، بل بالمفرد المؤنث ، أي الأمور الباقية ، وهكذا يقال فيما شاع استعماله من وصف الأمور بالاخر.