ذلك غير متيقن في المحرمات المعلومة فكيف بمشتبهاتها؟! وعليه يحمل قوله ـ قدس سره ـ ( والعقاب والهلاك فعلا ) (١) فإن مراد الخصم أيضا ذلك ، لا الوقوع كيف كان.
ومما ذكرنا ظهر الجواب عما ربما يتوهم من الإيراد على الاستدلال بالآية على أصالة البراءة من أن غاية ما تدل عليه إنما هي نفي فعلية العذاب ، دون استحقاقه كما هو المدعى.
لكن الإنصاف عدم نهوضها على المطلوب.
أما أولا ـ فلما ذكره ـ قدس سره ـ من كونها إخبارا عن وقوع التعذيب سابقا في الأمم السابقة بعد بعث الرسول إليهم ، كما يدل عليه قوله : ( وَما كُنَّا ... ) بصيغة الماضي ، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع فيهم ، لأن الأخروي لم يجئ وقته بعد لأحد.
أقول : لا يخفى كثرة إطلاق لفظ الماضي على المستقبل في القرآن ، خصوصا فيما يتعلق بأحوال القيامة ، ولا شبهة [ في ](٢) وقوع التعذيب سابقا إلا أنه لا يوجب ظهوره أيضا في أحوال القيامة ، فتسقط الآية عن الاستدلال بها.
ويمكن أن يقال : ـ على فرض تسليم كون الآية في مقام الإخبار عن وقوع التعذيب في الأمم السابقة بعد البعث ـ : إن في العدول عن لفظ : ( وما عذبنا ) إلى قوله : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ )(٣) إشعارا بأنه تعالى أراد : أنه لم يكن شأنه تعذيب أحد إلا بعد البيان ، فيستفاد أن هذا شأنه تعالى في جميع الأمور وفي الدنيا والآخرة ، فيتم به المطلوب ، إلا أنه مجرد إشعار لا ينبغي الركون إليه.
وأما ثانيا ـ فبأن الظاهر من الرسول هو الشخص المبعوث من الله
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٣١٧.
(٢) في الأصل : فلا شبهة له على ..
(٣) الإسراء : ١٥.