وعذري وعذركم وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل
______________________________________________________
ذلك من الآيات والأخبار « وعذري وعذركم » أي حجتي وحجتكم من قولهم أعذر إذا احتج لنفسه ، أو براءتي مما رميت به من ادعاء الألوهية والولدية وبراءتكم من القول في ذلك ، أو براءتي مما رماني به اليهود وبراءتكم من متابعة من كان كذلك.
والحواريون هم خواص عيسى على نبينا وآله وعليه السلام وأنصاره ، من التحوير بمعنى التبييض ، قيل : إنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب وينقونها من الأوساخ ، وقيل : بل كانوا ينقون نفوس الخلائق من الكدورات وأوساخ صفات الذميمة ، وقال الأزهري : هم خلصان الأنبياء وتأويله : الذين خلصوا ونقوا من كل عيب ، وتسمية الله إياهم بالمستحفظين كأنها إشارة إلى قوله عز وجل في شأن التوراة : « فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » (١).
« وجرت » أي الوصية أو الخيرة أو السنة ، وقيل : المراد بالميزان الشرع ، وقيل : هو عطف تفسير للكتاب.
قال المحدث الأسترآبادي : مقصوده عليهالسلام أن المشهور بين الناس في هذا الزمان مما يسمى بالكتاب الكتب الثلاثة ومن جملة الكتب كتاب نوح عليهالسلام وكتاب صالح وكتاب شعيب وإبراهيم عليهمالسلام ، وقد أخبر الله أن ما جاء به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مذكور في صحف إبراهيم وموسى وكانتا عنده ، فإذا كانتا محفوظتين إلى زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم فكيف لا يحفظهما هو صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يدفعهما إلى أحد ، فالذي دفعهما إليه هو صاحب الشريعة ، انتهى.
وأقول : فيه أيضا رد على من زعم أن المستحفظين علماء اليهود والنصارى ، لعدم وجدان هذه الكتب عندهم ، فالمراد بالعقب من المستحفظين الأوصياء أي أولادهم بل ظاهره أن العقب لم يكونوا من بني إسرائيل ، فالمراد بهم أبو طالب وأمير المؤمنين عليهماالسلام ، وكلمة « من » يحتمل التبعيض والابتداء والبيان أيضا على بعد.
__________________
(١) سورة المائدة : ٤٤.