بغير حجة لهم وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه فقال الله جل ذكره « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ » (١)
______________________________________________________
أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له : والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش؟
وسيأتي في الروضة عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قرأ رجل على أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الآية فقال : بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة « فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » لا يأتون بباطل يكذبون به حقك ، وهذا التفسير موافق لما فسرها عليهالسلام به هيهنا بقوله : ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم ، والمخففة من أكذبه إذا ألفاه (٢) كاذبا ، والمشددة أيضا لا يبعد عن هذا المعنى على ما في كتب اللغة ، قال الفيروزآبادي : أكذبه ألفاه كاذبا وحمله على الكذب وبين كذبه ، وكذب بالأمر تكذيبا وكذابا أنكره ، وفلانا جعله كاذبا ، انتهى.
وإنما وضع الظالمين موضع الضمير للتنصيص بظلمهم في إنكار آياته وتمرنهم (٣) على جحدها ، ويقال : تألفه إذا داراه وآلفة بالتكليف.
« هذه السورة » أي سورة ألم نشرح كما يظهر مما بعده ، وجملة « فاحتج عليهم » معترضة وكأنه أشير بها إلى ما فعل بغدير خم أو إلى أعم منه ومن غيره من المواطن ، وفي بعض النسخ « هذه الآية » أي آية : « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ».
« ونعيت » على بناء المجهول والنعي خبر الموت « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » في القرآن المشهورة بفتح الصاد من النصب بمعنى التعب والاجتهاد ، يعني إذا فرغت من عبادة عقبها بأخرى وواصل بعضها ببعض ، وقيل : إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة ،
__________________
(١) سورة الانشراح : ٨.
(٢) أي وجده.
(٣) من التمرين.