سنته أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة رب رحيم وإمام عليم ودين قويم.
______________________________________________________
والعمودان التوحيد والنبوة ، وإقامتهما الاعتقاد بهما والعمل بمقتضيات الإيمان بهما ، وقيل : المراد بهما الحسنان عليهماالسلام ، وقيل : هما المراد بالمصباحين.
« وخلاكم ذم » أي سقط عنكم وأعذرتم فلا ذم عليكم « ما لم تشردوا » كتضربوا يقال : شرد البعير أي نفر وذهب في الأرض ، والغرض النهي عن التفرق واختلاف الكلمة أي لا ذم يلحقكم ما دمتم متفقين في أمر الدين متمسكين بحبل الأئمة الطاهرين أو المراد النهي عن الرجوع عن الدين وإقامة سننه ، وقرأ بعضهم ذم بالكسر أي مضى لكم ذمة وأمان ما لم تشردوا ، ولا يخفى بعده.
« حمل كل امرئ منكم مجهوده » في بعض نسخ النهج « حمل » على صيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ، ورفع كلمة « كل » وفي بعضها على المعلوم ونصب كل فالفاعل هو الله سبحانه ، وفي بعضها حمل كضرب على المعلوم ورفع كل والأول أظهر ، والمجهود مبلغ الوسع والطاقة « وخفف عن الجهلة » على بناء المجهول ولعله استدراك لما يتوهم من ظاهر الكلام من أنه سبحانه كلف كل أحد بما هو مبلغ طاقته ونهاية وسعه ، فبين عليهالسلام أن التكليف على حسب العلم ، والجهال ليسوا بمكلفين بما كلف به العلماء وقد قال الله سبحانه : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ » (١) ويدل ظاهره على أن الجاهل معذور في أكثر الأحكام « رب رحيم » خبر مبتدإ محذوف ، أي ربكم رب رحيم ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي لكم رب رحيم ، وفي أكثر نسخ النهج خفف على بناء المعلوم ، فقوله : رب فاعله ، ولا يضر عطف الدين والإمام عليه لشيوع التجوز في الإسناد ، قال ابن أبي الحديد : ومن الناس من يجعل رب رحيم فاعل خفف على رواية من رواها فعلا معلوما ، وليس بمستحسن
__________________
(١) سورة النساء : ١٧.