وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الأرض محطها وإنما كنت
______________________________________________________
أو المراد محال ذروها ، كما أن في النهج ومهب رياح ، قال الفيروزآبادي : ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته ، وذرى هو بنفسه وذراوة النبت بالضم ما ارفتّ (١) من يابسه فطارت به الريح ، وما سقط من الطعام عند التذري ، وما ذرأ من الشيء كالذري بالضم ، انتهى.
واضمحل السحاب : تقشع ، والشيء ذهب وفنى ، والجو : ما بين السماء والأرض و « متلفقها » بكسر الفاء أي ما انضم واجتمع ، يقال : تلفق أي انضم والتأم ، ولفق الثوب كضرب أي ضم شقه إلى أخرى فخاطهما ، أو بفتح الفاء مصدرا ميميا ، وعفا أي درس وانمحى ولم يبق له أثر « ومخطها » في أكثر نسخ الكتاب وفي النهج بالخاء المعجمة وهو ما يحدث في الأرض من الخط الفاضل بين الظل والنور ، وانمحاؤها يستلزم انمحاء الظل ، والمخط الأثر والعلامة يقال : خط في الأرض كمد خطأ أي أعلم علامة ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها ، والضميران في متلفقها ومخطها راجعان إلى الغمامة ، وقيل : الضمير في متلفقها راجع إلى الغمامة وفي مخطها إلى ذرى الرياح ، لأن العلامة إنما تحصل من هبوب الرياح ولا يخفى بعده.
والحاصل أني إن مت فلا عجب فإنا كنا في أمور فانية شبيهة بتلك الأمور ، أو لا أبالي فإني كنت في الدنيا غير متعلق بها كمن كان في تلك الأمور ، وفيه حث أيضا للقوم على الزهد في الدنيا وترك الرغبة في زخارفها ، وقيل : أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة ، وبالأفياء تركيبها المعرض للزوال ، وبالرياح الأرواح ، وبذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي ، وبالغمامة الأسباب القوية من الحركات السماوية والاتصالات الكوكبية ، والأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه ، وكنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب وزوالها ، وبعفاء مخطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.
__________________
(١) ارفتّ : انكسر. اندقّ.