فقال له الحسن بن علي عليهالسلام اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض.
______________________________________________________
بل لم يعقده ، وعدا معي.
قوله عليهالسلام « كلام » أي الوصية والنص على الخليفة « يحيي به الأموات » أي سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان إن قبلوا « ويموت به الأحياء » بالحياة الظاهرة أو بالحياة المعنوية أيضا إن لم يقبلوه ، وموتهم بكفرهم وجهلهم وضلالتهم ، فإن من لا ينتفع به غيره بل يضل غيره فهو في قوة الأموات بل أخس منهم ، أو المعنى أنه كلام يصير الإقرار به سببا للحياة الأبدي ، فالأموات أيضا أحياء به كما قال تعالى : « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (١) وروى : المؤمن حي في الدارين « ويموت به الأحياء » أي بإنكاره يصير الأحياء بمنزلة الأموات ، وقيل : يحيي به الأموات أي أموات الجهل ويموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا.
« كونوا أوعية العلم » بالإقرار والتعلم منه « ومصابيح الهدى » بهداية غيركم فالأمر لغير الإمام ، ويحتمل شموله له بضبط العلم ومنعه عن غير أهله ، وهداية من يستحقه أو هو تحريص على استماع الوصية وقبولها ونشرها.
« فإن ضوء النهار ... اه » هذا رفع ودفع لما استقر في نفوس الجهلة من أن المتشعبين عن أصل واحد في الفضل سواء ، ولذا يستنكف بعض الأخوة عن متابعة بعضهم وكان الكفار يقولون للأنبياء إنما أنتم بشر مثلنا ، فأزال تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة ، فإن كله من الشمس لكن بعضه أضوء من بعض ، كأول الفجر ووقت طلوع الشمس ووقت الزوال وهكذا ، فباختلاف الاستعدادات والقابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد ، ولا مدخلية للانشعاب من أصل واحد ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٦٩.